المذموم ، التي استدلوا بها على حدوث الأجسام ، وحدوث ما لم يخل من الحوادث ، وجعلوا ذلك عمدتهم في حدوث العالم. فرأى جهم أن ما يمنع من حوادث لا أول لها في الماضي ، يمنعه في المستقبل!! فدوام الفعل عنده على الرب في المستقبل ممتنع ، كما هو ممتنع عنده عليه في الماضي!! وأبو الهذيل العلاف شيخ المعتزلة ، وافقه على هذا الأصل ، لكن قال : إن هذا يقتضي فناء الحركات ، فقال بفناء حركات أهل الجنة والنار ، حتى يصيروا في سكون دائم ، لا يقدر أحد منهم على حركة!! وقد تقدم الإشارة الى اختلاف النار في تسلسل الحوادث في الماضي والمستقبل ، وهي مسألة دوام فاعلية الرب تعالى ، وهو لم يزل ربّا قادرا فعالا لما يريد ، فإنه لم يزل حيّا عليما قديرا. ومن المحال أن يكون الفعل ممتنعا عليه لذاته ، ثم ينقلب فيصير ممكنا لذاته ، من غير تجدد [شيء] ، وليس للأول حد محدود حتى يصير الفعل ممكنا له عند ذلك الحد ، ويكون قبله ممتنعا عليه. فهذا القول تصوره كاف في الجزم بفساده.
فأما أبدية الجنة ، وأنها لا تفنى ولا تبيد ، فهذا مما يعلم بالضرورة أن الرسول صلىاللهعليهوسلم أخبر به ، قال تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ ، عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) هود : ١٠٨ ، أي غير مقطوع ، ولا ينافي [ذلك] قوله : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ). واختلف السلف في هذا الاستثناء : فقيل : معناه إلا مدة مكثهم في النار ، وهذا يكون لمن دخل منهم الى النار ثم أخرج منها ، لا لكلهم. وقيل : إلا مدة مقامهم في الموقف. وقيل : إلا مدة مقامهم في القبور والموقف. وقيل : هو استثناء الرب ولا يفعله ، كما تقول : والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك ، وأنت لا تراه ، بل تحزم بضربه. وقيل : «إلا» بمعنى الواو ، وهذا على قول بعض النحاة ، وهو ضعيف. وسيبويه يجعل إلا بمعنى لكن ، فيكون الاستثناء منقطعا ، ورجحه ابن جرير وقال : إن الله تعالى لا خلف لوعده ، وقد وصل الاستثناء بقوله : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) هود : ١٠٨. قالوا : ونظيره أن تقول : أسكنتك داري حولا إلا ما شئت ، أي سوى ما شئت ، ولكن ما شئت من الزيادة عليه. وقيل : الاستثناء لإعلامهم بأنهم مع