جلودهم في مشيئة الله ، لأنهم يخرجون (٥٩٣) عن مشيئته ، ولا ينافي ذلك عزيمته وجزمه لهم بالخلود (٥٩٤) ، كما في قوله تعالى : (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً) الاسراء : ٨٦ ، وقوله تعالى : (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) الشورى : ٢٤ ، وقوله : (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) يونس : ١٦. ونظائره كثيرة ، يخبر عباده سبحانه أن الأمور كلها بمشيئته ، ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن. وقيل : إن «ما» بمعنى «من» أي : إلا من شاء الله دخوله النار بذنوبه من السعداء (٥٩٥). وقيل غير ذلك. وعلى كل تقدير ، فهذا الاستثناء من المتشابه ، وقوله : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) هود : ١٠٨ ، محكم. وكذلك قوله تعالى : (إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ) ص : ٥٤. وقوله : (أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها) الرعد : ٣٥. (٥٩٦) وقوله : (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) الحجر : ٤٨. وقد أكد الله خلود أهل الجنة بالتأبيد في عدة مواضع من القرآن ، وخبر أنهم : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) ، الدخان : ٥٦ ، وهذا الاستثناء منقطع ، وإذا ضممته الى الاستثناء في قوله تعالى : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) هود : ١٠٨ ـ تبين أن المراد من الآيتين استثناء الوقت الذي لم يكونوا فيه في الجنة من مدة الخلود ، كاستثناء الموتة الأولى من جملة الموت ، فهذه موتة تقدمت على حياتهم الأبدية ، وذلك مفارقة للجنة تقدمت على خلودهم فيها.
والأدلة من السنة على أبدية الجنة ودوامها كثيرة : كقوله صلىاللهعليهوسلم : «من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس ويخلد ولا يموت» (٥٩٧). وقوله : «ينادي مناد : يا أهل الجنة ، إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا ، وأن تشبّوا فلا تهرموا أبدا ، وأن تحيوا
__________________
(٥٩٣) في الاصل : لا أنهم يخرجون. الجنة الصواب فليراجع «رفع الاستار».
(٥٩٤) قال عفيفي : انظر «مجموع الفتاوى» ص ٤٨ ج ٢.
(٥٩٥) في الاصل : الشعراء.
(٥٩٦) قال عفيفي : انظر ص ٢٥١ من «حادي الأرواح».
(٥٩٧) مسلم ، وهو مخرج في «الصحيحة» (١٠٨٦)
.