فمن أدلة القول الأول منهما : قوله تعالى : (قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) الانعام : ١٢٨. وقوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ. خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) هود : ١٠٦ ـ ١٠٧. ولم يأت بعد هذين الاستثناءين ما أتى بعد الاستثناء المذكور لأهل الجنة ، وهو قوله : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) هود : ١٠٨. وقوله تعالى : (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) النبأ : ٢٣. وهذا القول ، أعني القول بفناء النار دون الجنة ـ منقول عن عمر ، وابن مسعود ، وأبي هريرة ، وأبي سعيد ، وغيرهم. وقد روى عبد بن حميد في تفسيره المشهور ، بسنده الى عمر رضي الله عنه ، أنه قال : «لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج ، لكان لهم على ذلك وقت يخرجون فيه» (٦٠١) ، ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى :
__________________
(٦٠١) ضعيف لأنه من رواية الحسن قال : قال عمر : والحسن لم يدرك عمر رضي الله عنه. وقال ابن القيم في «حادي الارواح» (٢ / ٧١ طبع الكردي) عقبه : والحسن لم يسمع من عمر. ومع ذلك فقد حاول تقويته بكلام خطابي ، لا غناء فيه. «وحسبك بهذا الاسناد جلالة (!) والحسن وإن لم يسمع من عمر فإنما رواه عن بعض التابعين ، ولو لم يصح عنده ذلك عن عمر لما جزم به ، وقال : قال عمر بن الخطاب»!
قلت : وهذا كلام عجيب من مثل ابن القيم رحمهالله ، لأن معناه الاحتجاج بحديث التابعي المجهول العين! لأنه إذا كان الحسن قد أخذه من بعض التابعين ، فمن هو؟ وما حاله في الحديث حفظا وضبطا؟ أليس منطق ابن القيم هذا يؤدي الى قلب القواعد الأصولية الحديثية التي تجعل حديث المجهول ضعيفا ، والحديث المرسل والمنقطع ضعيفا كذلك ، لأنهما يرجعان إلى راو لم يذكر ولم يسم؟! ويؤدي كذلك الى قبول أحاديث الحسن البصري المعنعنة ، فضلا عن المنقطعة والمرسلة ، مثل حديثه عن سمرة «لما حملت حواء طاف بها إبليس ، وكان لا يعيش لها ولد ، فقال : سميه عبد الحارث ، فسمته عبد الحارث ، فعاش ، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره».
وهو حديث ضعيف ، بل باطل ، ولا علة فيه سوى عنعنة الحسن البصري ، وقد فسر هو الآية التي يفسرها بعض المفسرين بهذا الحديث ، فسرها الحسن نفسه بغير ما دل عليه حديثه ، وتبعه على ذلك بعض المحققين ، منهم ابن القيم نفسه ، كما بينت ذلك في «سلسلة الأحاديث الضعيفة» (رقم الحديث ٣٤٢).