وَالْإِنْسِ) الاعراف : ١٧٩ ، الآية. وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : دعي رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى جنازة صبي من الأنصار ، فقلت : يا رسول الله ، طوبى لهذا ، عصفور من عصافير الجنة ، لم يعمل سوءا ولم يدركه ، فقال : «أو غير ذلك يا عائشة ، إن الله خلق للجنة أهلا ، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم ، وخلق للنار أهلا ، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم» (٦٠٨). رواه مسلّم وأبو داود والنسائي. وقال تعالى : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ ، فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً. إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ ، إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) الدهر : ٢ ـ ٣. والمراد الهداية العامة ، وأعم منها الهداية المذكورة في قوله تعالى : (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) طه : ٥٠. فالموجودات نوعان : أحدهما مسخّر بطبعه ، والثاني متحرك بإرادته فهدى الأول لما سخّره له طبيعة ، وهدى الثاني هداية إرادية تابعة لشعوره وعلمه بما ينفعه ويضره. ثم قسم هذا النوع الى ثلاثة أنواع : نوع لا يريد إلا الخير ولا يتأتى منه إرادة سواه ، كالملائكة ، ونوع لا يريد إلا الشر ولا يتأتى منه إرادة سواه ، كالشياطين ، ونوع يتأتى منه إرادة القسمين ، كالإنسان. ثم جعله ثلاثة أصناف : صنفا يغلب إيمانه ومعرفته وعقله هواه وشهوته ، فيلتحق بالملائكة. وصنفا عكسه ، فيلتحق بالشياطين. وصنفا تغلب شهوته البهيمية عقله ، فيلتحق بالبهائم. والمقصود : أنه سبحانه أعطى الوجودين : العيني والعلمي ، فكما أنه لا موجود إلا بإيجاده ، فلا هداية إلا بتعليمه ، وذلك كله من الأدلة على كمال قدرته ، وثبوت وحدانيته ، وتحقيق ربوبيته ، سبحانه وتعالى.
وقوله : فمن شاء منهم الى الجنة فضلا منه ، ومن شاء منهم الى النار عدلا منه ، الخ ـ مما يجب أن يعلم : أن الله تعالى لا يمنع الثواب إلا اذا منع سببه ، وهو العمل الصالح ، فإنه : (مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) طه : ١١٢. وكذلك لا يعاقب أحدا إلا بعد حصول سبب العقاب ، فإن الله تعالى يقول : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ، وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) الشورى : ٣٠. وهو سبحانه المعطي المانع ، لا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع.
__________________
(٦٠٨) صحيح ، وهو مخرج في «ظلال الجنة تخريج السنة» لابن أبي عاصم (٢٥١).