لكن إذا من على الإنسان بالإيمان [والعمل] الصالح ، فلا (٦٠٩) يمنعه موجب ذلك أصلا ، بل يعطيه من الثواب والقرب ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر. وحيث منعه ذلك فلانتفاء سببه ، وهو العمل الصالح. ولا ريب أنه يهدي من يشاء ، ويضل من يشاء ، لكن ذلك كله حكمة منه وعدل ، فمنعه للأسباب التي هي الأعمال الصالحة من حكمته وعدله. وأما المسببات بعد وجود أسبابها ، فلا يمنعها بحال ، إذا لم تكن أسبابا غير صالحة ، إما لفساد في العمل ، وإما لسبب يعارض موجبه ومقتضاه ، فيكون ذلك لعدم المقتضي ، أو لوجود المانع. وإذا كان منعه وعقوبته من عدم الإيمان والعمل الصالح ، وهو لم يعط ذلك [ابتلاء] وابتداء [إلا] حكمة منه وعدلا. فله الحمد في الحالين ، وهو المحمود على كل حال ، كل عطاء منه فضل ، وكل عقوبة منه عدل ، فإن الله تعالى حكيم يضع الأشياء في مواضعها التي تصلح لها ، كما قال تعالى : (وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ ، اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) الانعام : ١٢٤. وكما قال تعالى : (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ، لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا ، أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) الانعام : ٥٣. ونحو ذلك. وسيأتي [لذلك] زيادة ، إن شاء الله تعالى.
قوله : (والاستطاعة التي يجب بها الفعل ، من نحو التوفيق الذي لا [يجوز أن] يوصف المخلوق به ـ [تكون] مع الفعل .. وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع ، والتمكن (٦١٠) وسلامة الآلات ـ فهي قبل الفعل ، وبها يتعلق الخطاب ، وهو كما قال تعالى (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) البقرة : ٢٨٦ ..
ش : الاستطاعة والطاقة والقدرة والوسع ، ألفاظ متقاربة. وتنقسم الاستطاعة الى قسمين ، كما ذكره الشيخ رحمهالله ، وهو قول عامة أهل السنة ، وهو الوسط. وقالت القدرية والمعتزلة : لا تكون القدرة الا قبل الفعل. وقابلهم طائفة من أهل السنة [فقالوا لا تكون إلا مع الفعل.
__________________
(٦٠٩) في الاصل : لا.
(٦١٠) في الاصل : والتمكين.