المرض وتأخر برئه ، فهذا في الشرع غير مستطيع ، لأجل حصول الضرر عليه ، وإن كان قد يسمى مستطيعا. فالشارع لا ينظر في الاستطاعة الشرعية الى مجرد إمكان الفعل ، بل ينظر الى لوازم ذلك ، فإن كان الفعل ممكنا مع المفسدة الراجحة لم تكن هذه استطاعة شرعية ، كالذي يقدر على الحج مع ضرر يلحقه في بدنه أو ماله ، أو يصلي قائما مع زيادة مرضه ، أو يصوم الشهرين مع انقطاعه عن معيشته ، ونحو ذلك. فإذا كان الشارع قد اعتبر في المكنة عدم المفسدة الراجحة ، فكيف يكلّف مع العجز؟ ولكن هذه الاستطاعة ـ مع بقائها الى حين الفعل لا تكفي في وجود الفعل ، ولو كانت كافية لكان التارك كالفاعل ، بل لا بد من إحداث إعانة أخرى تقارن ، مثل جعل الفاعل مريدا ، فإن الفعل لا يتم إلا بقدرة واردة ، والاستطاعة المقارنة تدخل فيها الإرادة الجازمة ، بخلاف المشروطة في التكليف ، فإنه لا يشترط فيها الإرادة. فالله تعالى يأمر بالفعل من لا يريده ، لكن لا يأمر به من لو أراده لعجز عنه. وهكذا أمر الناس بعضهم لبعض ، فالانسان يأمر عبده بما لا يريده العبد ، لكن لا يأمره بما يعجز عنه العبد ، وإذا اجتمعت الإرادة الجازمة والقوة التامة ، لزم وجود الفعل. وعلى هذا ينبني تكليف ما لا يطاق ، فإن من قال : القدرة لا تكون إلا مع الفعل ـ يقول : كل كافر وفاسق قد كلّف ما لا يطيق. وما لا يطاق يفسّر بشيئين : بما لا يطاق للعجز عنه ، فهذا لم يكلفه الله أحدا ، ويفسّر بما لا يطاق للاشتغال بضده ، فهذا هو الذي وقع فيه التكليف ، كما في أمر العباد بعضهم بعضا ، فإنهم يفرقون بين هذا وهذا ، فلا يأمر السيد عبده الأعمى بنقط المصاحف! ويأمره إذا كان قاعدا أن يقوم ، ويعلم الفرق بين الأمرين بالضرورة.
قوله : (وأفعال العباد [هي] خلق الله وكسب من العباد).
ش : اختلف الناس في أفعال العباد الاختيارية. فزعمت الجبرية ورئيسهم الجهم بن صفوان السمرقندي : أن التدبير في أفعال الخلق كلها لله تعالى ، وهي كلها اضطرارية ، كحركات المرتعش ، والعروق النابضة ، وحركات الأشجار ، وإضافتها الى الخلق مجاز! وهي على حسب ما يضاف الشيء الى محله دون ما يضاف الى محصله! وقابلتهم المعتزلة ، فقالوا : إن جميع الأفعال الاختيارية من جميع الحيوانات بخلقها ، لا تعلق لها بخلق الله تعالى. واختلفوا فيما بينهم : أن الله تعالى