يقدر على أفعال العباد أم لا؟!
وقال أهل الحق : أفعال العباد بها صاروا مطيعين وعصاة ، وهي مخلوقة لله تعالى ، والحق سبحانه وتعالى منفرد بخلق المخلوقات ، لا خالق لها سواه. فالجبرية غلوا في إثبات القدر ، فنفوا صنع العبد [أصلا] ، كما عملت المشبهة في إثبات الصفات ، فشبهوا. والقدرية نفاة القدر جعلوا العباد خالقين مع الله تعالى. ولهذا كانوا «مجوس هذه الأمة» ، بل أردأ من المجوس ، من حيث إن المجوس أثبتوا خالقين ، وهم أثبتوا خالقين!! وهدى الله المؤمنين أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ، والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم. فكل دليل صحيح يقيمه الجبري ، فإنما يدل على أن الله خالق كل شيء ، وأنه على كل شيء قدير ، وأن أفعال العباد من جملة مخلوقاته ، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، ولا يدل على أن العبد ليس بفاعل في الحقيقة ولا مريد ولا مختار ، وأن حركاته الاختيارية بمنزلة حركة المرتعش وهبوب الرياح وحركات الأشجار. وكل دليل صحيح يقيمه القدري فإنما يدل على أن العبد فاعل لفعله حقيقة ، وأنه مريد له مختار له حقيقة ، وأن إضافته ونسبته إليه إضافة حق ، ولا يدل على أنه غير مقدور لله تعالى وأنه واقع بغير مشيئته وقدرته. فإذا ضممت ما مع كل طائفة منهما من الحق الى حق الأخرى ـ فإنما يدل ذلك على ما دل عليه القرآن وسائر كتب الله المنزلة ، من عموم قدرة الله ومشيئته لجميع ما في الكون من الأعيان والافعال ، وأن العباد فاعلون لأفعالهم حقيقة ، وأنهم يستوجبون عليها المدح والذم.
وهذا هو الواقع في نفس الأمر ، فإن أدلة الحق لا تتعارض ، والحق يصدّق بعضه بعضا. ويضيق هذا المختصر عن ذكر أدلة الفريقين ، ولكنها تتكافأ وتتساقط ، ويستفاد من دليل كل فريق بطلان قول الآخر. ولكن أذكر شيئا مما استدل به كل من الفريقين ، ثم أبيّن أنه لا يدل على ما استدل عليه من الباطل :
فما استدلت به الجبرية ، قوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) الانفال : ١٧. فنفى الله عن نبيه الرمي ، وأثبته لنفسه سبحانه ، فدل على أنه لا صنع للعبد. قالوا : والجزاء غير مرتب على الأعمال ، بدليل قوله صلىاللهعليهوسلم : «لن يدخل أحد الجنة بعمله» ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : «ولا أنا ، إلّا أن