يتغمدني الله برحمة منه وفضل» (٦١٣).
ومما استدل به القدرية ، قوله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) المؤمنون : ١٤. قالوا : والجزاء مرتب على الأعمال ترتب العوض ، كما قال تعالى : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) الم السجدة : ١٧ والأحقاف : ١٤ والواقعة : ٢٤. (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) الاعراف : ٤٢. ونحو ذلك.
فأما ما استدلت به الجبرية من قوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) الانفال : ١٧ ـ فهو دليل عليهم ، لأنه تعالى أثبت لرسوله [صلىاللهعليهوسلم] رميا ، بقوله : (إِذْ رَمَيْتَ) ، فعلم أن المثبت غير المنفي ، وذلك أن الرمي له ابتداء وانتهاء : فابتداؤه الحذف ، وانتهاؤه الإصابة ، وكل منهما يسمى رميا ، فالمعنى حينئذ ـ والله تعالى أعلم : وما أصبت إذ حذفت ولكن الله أصاب. وإلا فطرد قولهم : وما صليت إذ صليت ولكن الله صلى! وما صمت إذ صمت! وما زنيت إذ زنيت! وما سرقت اذ سرقت!! وفساد هذا ظاهر.
وأما ترتّب الجزاء على الأعمال ، فقد ضلت فيه الجبرية والقدرية ، وهدى الله أهل السنة ، وله الحمد والمنّة. فإن الباء التي في النفي غير الباء التي في الإثبات ، فالمنفي في قوله صلىاللهعليهوسلم : «لن يدخل الجنة أحد بعمله» ـ باء العوض ، وهو أن يكون العمل كالثمن لدخول الرجل الى الجنة ، كما زعمت المعتزلة أن العامل مستحقّ دخول الجنة على ربه بعمله! بل ذلك برحمة الله وفضله. والباء التي في قوله تعالى :
(جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) الم السجدة : ١٧ وغيرها ، باء السبب ، أي بسبب عملكم ، والله تعالى هو خالق الأسباب والمسببات ، فرجع الكل الى محض فضل الله ورحمته.
وأما استدلال المعتزلة بقوله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) المؤمنون :
١٤ ـ فمعنى الآية : أحسن المصوّرين المقدّرين. و «الخلق» يذكر ويراد به التقدير ، وهو المراد هنا ، بدليل قوله تعالى : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) الرعد : ١٨
__________________
(٦١٣) مسلم عن حديث أبي هريرة وجابر وعائشة بألفاظ متقاربة.