والمراد ، قادر على أن يجعله مختارا بخلاف غيره. ولهذا جاء في ألفاظ الشارع : «الجبل» دون «الجبر» ، كما قال صلىاللهعليهوسلم لأشجّ عبد القيس : «إن فيك لخلتين يحبهما الله : الحلم والأناة» (٦٢١) فقال : أخلقين تخلقت بهما؟ أم خلقين جبلت عليهما؟ فقال : «بل خلقان جبلت عليهما» فقال : الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله تعالى (٦٢٢). والله تعالى إنما يعذب عبده على فعله الاختياري. والفرق بين العقاب على الفعل الاختياري وغير الاختياري مستقر في الفطر والعقول.
وإذا قيل : خلق الفعل مع العقوبة عليه ظلم؟! كان بمنزلة أن يقال : خلق أكل السم ثم حصول الموت به ظلم!! فكما أن هذا سبب للموت ، فهذا سبب للعقوبة ، ولا ظلم فيهما.
فالحاصل : أن فعل العبد فعل له حقيقة (٦٢٣) ، ولكنه مخلوق لله تعالى ، ومفعول لله تعالى ، ليس هو نفس فعل الله. ففرق بين الفعل والمفعول ، والخلق والمخلوق. والى هذا المعنى أشار الشيخ رحمهالله بقوله : وأفعال العباد خلق الله وكسب من العباد ـ أثبت للعباد فعلا وكسبا ، وأضاف الخلق لله تعالى. والكسب : هو الفعل الذي يعود على فاعله منه نفع أو ضرر ، كما قال تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) البقرة : ٢٨٦.
قوله : (ولم يكلفهم الله تعالى إلا ما يطيقون ، ولا يطيقون إلا ما كلفهم. وهو تفسير «لا حول ولا قوة الا بالله» ، نقول : لا حيلة لأحد ، [ولا تحوّل لأحد] ، ولا حركة لأحد عن معصية الله ، الا بمعونة الله ، ولا قوة لأحد على إقامة طاعة الله والثبات عليها إلا بتوفيق الله ، وكل شيء يجري بمشيئة الله تعالى وعلمه وقضائه وقدره. غلبت مشيئته المشيئات كلها ، [وعكست إرادته الارادات كلها] ، وغلب
__________________
(٦٢١) قال عفيفي : انظر ص ٣٣٢ ج ١ من «مختصر الموصلي».
(٦٢٢) مسلم وغيره عن ابن عباس ، وهو مخرج في «الروض النضير» (٤٠٦).
(٦٢٣) قال عفيفي : انظر ص ٣٣٣ ج ١ و ٣٢٧ ج ١٤ من «مجموع الفتاوى».