قضاؤه الحيل كلها. يفعل ما يشاء ، وهو غير ظالم أبدا. (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) الأنبياء : ٢٣).
ش : فقوله : لم يكلفهم الله تعالى إلا ما يطيقون ـ قال تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) البقرة : ٢٨٦. [(لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)] الانعام : ١٥٢ والاعراف : ٤٢ والمؤمنون : ٦٢. وعند أبي الحسن الأشعري أن تكليف ما لا يطاق جائز عقلا ، ثم تردد أصحابه [أنه] : هل ورد به الشرع أم لا؟ واحتج من قال بوروده بأمر أبي لهب بالإيمان ، فإنه تعالى أخبر بأنه لا يؤمن ، [وانه سيصلى نارا ذات لهب ، فكان مأمورا بأن يؤمن بأنه لا يؤمن. وهذا تكليف بالجمع بين الضدين ، وهو محال. والجواب عن هذا بالمنع : فلا نسلم بأنه مأمور] بأن يؤمن [بأنه لا يؤمن] ، والاستطاعة التي بها يقدر على الإيمان كانت حاصلة ، فهو غير عاجز عن تحصيل الإيمان (٦٢٤) ، فما كلف إلا ما يطيقه كما تقدم في تفسير الاستطاعة. ولا يلزم قوله تعالى للملائكة : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) البقرة : ٣١. مع عدم علمهم بذلك ، ولا للمصورين يوم القيامة : «احيوا ما خلقتم» ، وأمثال ذلك ـ لأنه ليس بتكليف طلب فعل يثاب فاعله ويعاقب تاركه ، بل هو خطاب تعجيز. وكذا لا يلزم دعاء المؤمنين في قوله تعالى : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) البقرة : ٢٨٦ ، لأن تحميل ما لا يطاق ليس تكليفا ، بل يجوز أن يحمله جبلا لا يطيقه فيموت. وقال ابن الأنباري : أي لا تحملنا ما يثقل علينا أداؤه وإن كنا مطيقين له على تجشّم وتحمل مكروه ، قال : فخاطب العرب على حسب ما تعقل ، فإن الرجل منهم يقول للرجل يبغضه : ما أطيق النظر إليك ، وهو مطيق لذلك ، لكنه يثقل عليه. ولا يجوز في الحكمة أن يكلفه بحمل جبل بحيث لو فعل يثاب ولو امتنع يعاقب ، كما أخبر سبحانه عن نفسه أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها.
ومنهم من يقول : يجوز تكليف الممتنع عادة ، دون الممتنع لذاته ، لأن ذلك لا يتصور وجوده ، فلا يعقل الأمر به ، بخلاف هذا.
__________________
(٦٢٤) قال عفيفي : انظر ص ٣٦ ـ ٣٧ ج ١ من «موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول» لابن تيمية. «منهاج السنة» ج ١ ص ٩٠ ـ ٩١ طبعة المدني وص ٣٤ ، ط بولاق.