بل كل ممكن فإنه لا ينزه عن فعله ، بل فعله حسن ، ولا حقيقة للفعل السّوء ، بل ذلك ممتنع ، والممتنع لا حقيقة له!! والقرآن يدل على نقيض هذا القول ، في مواضع ، نزّه الله نفسه فيها عن فعل ما لا يصلح له ولا ينبغي له ، فعلم أنه منزّه مقدّس عن فعل السوء والفعل المعيب المذموم ، كما أنه منزه مقدّس عن وصف السوء والوصف المعيب المذموم. وذلك كقوله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) المؤمنون : ١١٥. فإنه نزّه نفسه عن خلق الخلق عبثا ، وأنكر على من حسب ذلك ، وهذا فعل. وقوله تعالى : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) القلم : ٣٥. وقوله تعالى : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ ، أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) ص : ٢٨ ـ إنكار منه على من جوّز أن يسوّي الله بين هذا وهذا. وكذا قوله : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ، سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) (٦٢٨) ، ساءَ ما يَحْكُمُونَ الجاثية : ٢١ ـ إنكار على من حسب أنه يفعل هذا ، وإخبار أن هذا حكم سيئ قبيح ، وهو مما ينزه الرب عنه.
وروى أبو داود ، والحاكم في «المستدرك» ، من حديث ابن عباس ، وعبادة بن الصامت ، وزيد بن ثابت ، وزيد بن ثابت ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «لو أنّ الله عذّب أهل سماواته وأهل أرضه ، لعذّبهم وهو غير ظالم لهم ، ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم» (٦٢٩). وهذا الحديث مما يحتج به الجبرية ، وأما القدرية فلا يتأتى على أصولهم الفاسدة! ولهذا قابلوه إما بالتكذيب أو بالتأويل!! وأسعد الناس به أهل السنة ، الذين قابلوه بالتصديق ، وعلموا من عظمة الله وجلاله ، قدر نعم الله على خلقه ، وعدم قيام الخلق بحقوق نعمه عليهم ، إما عجزا ، وإما جهلا ، وإما تفريطا واضاعة ، وإما تقصيرا في المقدور من الشكر ، ولو من بعض الوجوه. فإن حقه على أهل السموات والأرض أن يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر ،
__________________
(٦٢٨) قال عفيفي : انظر ص ٣١٥ ـ ٣٢٩ ج ١ من «مختصر الموصلي للصواعق المرسلة» لابن القيم. وص ١٢٥ ج ٦ من «مجموعة الفتاوى».
(٦٢٩) صحيح وقد خرجته في «تخريج السنة» (٢٤٥).