فانزل الى وطأة النعم ، وما عليها من الحقوق ، ووازن من (٦٣٢) شكرها وكفرها ، فحينئذ تعلم أنه سبحانه لو عذّب أهل سماواته وأرضه ، لعذّبهم وهو غير ظالم لهم.
قوله : وفي دعاء الأحياء وصدقاتهم للأموات.
ش : اتفق أهل السنة أن الأموات ينتفعون من سعي الأحياء بأمرين : أحدهما : ما تسبب إليه الميت في حياته (٦٣٣). والثاني : دعاء المسلمين واستغفارهم له ، والصدقة والحج ، على نزاع فيما يصل إليه من ثواب الحج : فعن محمد بن الحسن : أنه إنما يصل الى الميت ثواب النفقة ، والحجّ للحاجّ. وعند عامة العلماء : ثواب الحج للمحجوج عنه ، وهو الصحيح. واختلف في العبادات البدنية ، كالصوم والصلاة وقراءة القرآن والذكر : فذهب أبو حنيفة وأحمد وجمهور السلف الى وصولها ، والمشهور من مذهب الشافعي ومالك عدم وصولها. وذهب بعض أهل البدع من أهل الكلام الى عدم وصول شيء البتة ، لا الدعاء ولا غيره. وقولهم مردود بالكتاب والسنة ، لكنهم استدلوا بالمتشابه من قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) النجم : ٣٩. وقوله : (وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) يس : ٥٤. قوله : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) البقرة : ٢٨٦. وقد ثبت عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو ولد صالح يدعو له ، أو علم ينتفع به من بعده» (٦٣٣١). فأخبر أنه إنما ينتفع بما كان تسبب فيه في الحياة ، وما لم يكن تسبب فيه في الحياة فهو منقطع عنه. واستدل المقتصرون على وصول العبادات التي [لا] تدخلها النيابة بحال ، كالإسلام والصلاة والصوم وقراءة القرآن ، [وأنه] يختص ثوابها بفاعله لا يتعداه ، كما أنه في الحياة لا يفعله أحد عن أحد ، ولا ينوب فيه عن فاعله غيره ـ بما روى النسائي بسنده ، عن ابن عباس ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال : «لا يصلي أحد
__________________
(٦٣٢) في الاصل : بين.
(٦٣٣) قال عفيفي : انظر ص ٣٣٥ ج ١ من «مختصر الصواعق».
(٦٣٣١) مسلم وغيره من حديث أبي هريرة ، وهو مخرج في «أحكام الجنائز» ، ص ١٧٤).