الميت ، فلما قضاهما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «الآن بردت عليه جلدته» (٦٤٥). وكل ذلك جار على قواعد الشرع. وهو محض القياس ، فإن الثواب حق العامل ، فإذا وهبه لأخيه المسلم لم يمنع من ذلك ، كما لم يمنع من هبة ماله في حياته ، وإبرائه له منه بعد وفاته. وقد نبه الشارع بوصول ثواب الصوم على وصول ثواب القراءة ونحوها من العبادات البدنية. يوضحه : أن الصوم كفّ النفس عن المفطرات بالنية ، وقد نص الشارع على وصول ثوابه الى الميت ، فكيف بالقراءة التي هي عمل ونية؟!
والجواب عما استدلوا به من قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) النجم : ٣٩ ـ قد أجاب العلماء بأجوبة : أصحها جوابان :
أحدهما : أن الإنسان بسعيه وحسن عشرته اكتسب الأصدقاء ، وأولد الأولاد ، ونكح الازواج ، وأسدى الخير وتودّد الى الناس ، فترحمّوا عليه ، ودعوا له ، وأهدوا له ثواب الطاعات ، فكان ذلك أثر سعيه ، بل دخول المسلم مع جملة المسلمين في عقد الاسلام من أعظم الأسباب في وصول نفع كلّ من المسلمين الى صاحبه ، في حياته وبعد مماته ، ودعوة المسلمين تحيط من ورائهم. يوضحه : أن الله تعالى جعل الإيمان سببا لانتفاع صاحبه بدعاء إخوانه من المؤمنين وسعيهم ، فإذا أتى به فقد سعى في السبب الذي يوصل إليه ذلك.
الثاني ، وهو أقوى منه ـ : أن القرآن لم ينف انتفاع الرجل بسعي غيره وإنما نفى ملكه لغير سعيه ، وبين الأمرين فرق لا يخفى. فأخبر تعالى أنه لا يملك إلا سعيه ، وأما سعي غيره فهو ملك لساعيه ، فإن شاء أن يبذله لغيره ، وإن شاء أن يبقيه لنفسه.
وقوله سبحانه : (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى. وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) النجم : ٣٨ ـ ٣٩. آيتان محكمتان ، مقتضيتان عدل الرب تعالى : فالأولى تقتضي أنه لا يعاقب أحدا بجرم غيره ، ولا يؤاخذه بجريرة غيره ، كما يفعله ملوك الدنيا. والثانية تقتضي أنه لا يفلح إلا بعمله ، لينقطع طمعه من نجاته بعمل آبائه وسلفه
__________________
(٦٤٥) حسن رواه الحاكم وغيره. وهو مخرج في «أحكام الجنائز» (ص ١٦).