عليه جماعة من أصحاب أبي حنيفة المتأخرين. وانظر الى فروض الكفايات : كيف قام فيها البعض عن الباقين؟ ولأن هذا اهداء ثواب ، وليس من باب النيابة ، كما أن الأجير الخاصّ ليس له أن يستنيب عنه ، وله أن يعطي أجرته لمن شاء. (٦٥٠).
وأما استئجار قوم يقرءون القرآن ويهدونه للميت!! فهذا لم يفعله أحد من السلف ولا أمر به أحد من أئمة الدين ، ولا رخص فيه. والاستئجار على نفس التلاوة غير جائز بلا خلاف. وإنما اختلفوا في جواز الاستئجار على التعليم ونحوه ، مما فيه منفعة تصل الى الغير. والثواب لا يصل الى الميت إلا إذا كان العمل لله ، وهذا لم يقع عبادة خالصة ، فلا يكون [له من] ثوابه ما يهدى الى الموتى!! ولهذا لم يقل أحد أنه يكتري من يصوم ويصلي ويهدي ثواب ذلك الى الميت ، لكن إذا أعطى لمن يقرأ القرآن ويعلمه ويتعلمه معونة لأهل القرآن على ذلك ، كان هذا من جنس الصدقة عنه ، فيجوز. وفي الاختيار : لو أوصى بأن يعطى شيء من ماله لمن يقرأ القرآن على قبره ، فالوصية باطلة ، لأنه في معنى الأجرة ، انتهى. وذكر الزاهدي في «الغنية» : أنه لو وقف على من يقرأ عند قبره ، فالتعيين باطل.
وأما قراءة القرآن وإهداؤها له تطوّعا بغير أجرة ، فهذا يصل إليه ، كما يصل ثواب الصوم والحج. فإن قيل : هذا لم يكن معروفا في السلف ، ولا أرشدهم إليه النبي صلىاللهعليهوسلم؟ فالجواب : إن كان مورد هذا السؤال معترفا بوصول ثواب الحج والصيام والدعاء ، قيل له : ما الفرق بين ذلك وبين وصول ثواب قراءة القرآن؟ وليس كون السلف لم يفعلوه حجة في عدم الوصول ، ومن أين لنا هذا النفي العام؟ فإن قيل : فرسول الله صلىاللهعليهوسلم أرشدهم الى الصوم والحج والصدقة دون القراءة؟ قيل : هو صلىاللهعليهوسلم لم يبتدئهم بذلك ، بل خرج ذلك منه مخرج الجواب لهم ، فهذا سأله عن الحج عن ميته فأذن له فيه ، وهذا سأله عن الصوم عنه ، فأذن له فيه ، ولم يمنعهم مما سوى ذلك ، وأي فرق بين وصول ثواب الصوم ـ الذي هو مجرد نية وإمساك ـ وبين وصول ثواب القراءة والذكر؟ فإن قيل : ما تقولون في الإهداء إلى رسول صلىاللهعليهوسلم؟
__________________
(٦٥٠) في هذا الكلام نظر لا يخفى على المتأمل ، وقد حققت القول في المسألة بما يشرح الصدر ، ويثلج القلب في الفصل المشار إليه أنفا (ص ٤٥٤ ـ ٤٥٥) ، فراجعه فإنه مهم.