قيل : من المتأخرين من استحبه ، ومنهم من رآه بدعة ، لأن الصحابة لم يكونوا يفعلونه ، ولأن النبي صلىاللهعليهوسلم له مثل أجر كل من عمل خيرا من أمته ، من غير أن ينقص من أجر العامل شيء ، لأنه هو الذي دل أمته على كل خير ، وأرشدهم إليه.
ومن قال : إن الميت ينتفع بقراءة القرآن عنده ، باعتبار سماعه كلام الله ـ فهذا لم يصحّ عن أحد من الأئمة المشهورين. ولا شك في سماعه ، (٦٥١) ولكن انتفاعه بالسماع لا يصح ، فإن ثواب الاستماع مشروط بالحياة ، فإنه عمل اختياريّ ، وقد انقطع بموته ، بل ربما يتضرر ويتألم ، لكونه لم يمتثل أوامر الله ونواهيه ، أو لكونه لم يزدد من الخير.
واختلف العلماء في قراءة القرآن عند القبور ، على ثلاثة أقوال : هل تكره ، أم لا بأس بها وقت الدفن ، وتكره بعده؟ فمن قال بكراهتها ، كأبي حنيفة ومالك وأحمد في رواية ـ قالوا : لأنه محدّث ، لم ترد به السنة ، والقراءة تشبه الصلاة ، والصلاة عند القبور منهيّ عنها ، فكذلك القراءة. ومن قال : لا بأس بها ، كمحمد بن الحسن وأحمد في رواية ـ استدلوا بما نقل عن ابن عمر رضي الله عنه : أنه أوصى أن يقرأ على قبره وقت الدفن بفواتح سورة البقرة وخواتمها (٦٥٢). ونقل أيضا عن بعض المهاجرين قراءة سورة البقرة. (٦٥١١). ومن قال : لا بأس بها وقت الدفن فقط ، وهو رواية عن أحمد ـ أخذ بما نقل عن عمر وبعض المهاجرين (٦٥١٢). وأما بعد ذلك ، كالذين يتناوبون القبر للقراءة عنده ـ فهذا مكروه ، فإنه لم تأت به السنة ، ولم ينقل عن أحد من السلف مثل ذلك أصلا. وهذا القول لعله أقوى من غيره ، لما فيه من التوفيق بين الدليلين.
[قوله] : (والله تعالى يستجيب الدعوات ، ويقضي الحاجات).
ش : قال تعالى : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر : ٦٠. (وَإِذا
__________________
(٦٥١) لم أره بلفظ «المهاجرين» ، وانما بلفظ «الأنصار» ، ذكره ابن القيم وفي ثبوت ذلك عنهم نظر بينته في «أحكام الجنائز» (ص ١٩٣)
(٦٥٢) قلت : لا يصح إسناده ، فيه من يجهل كما مر مبين في «أحكام الجنائز» (ص ١٩٢ ـ طبع المكتب الاسلامي).