سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) البقرة : ١٨٦. والذي عليه أكثر الخلق من المسلمين وسائر أهل الملل وغيرهم ـ : أن الدعاء من أقوى الأسباب في جلب المنافع ودفع المضارّ ، وقد أخبر تعالى عن الكفار أنهم اذا مسّهم الضرّ في البحر دعوا الله مخلصين له الدين ، وأن الإنسان اذا مسه الضر دعاه لجنبه أو قاعدا أو قائما. وإجابة الله لدعاء العبد ، مسلما كان أو كافرا ، وإعطاؤه سؤله ـ : من جنس رزقه لهم ، ونصره لهم. وهو مما توجبه الربوبية للعبد مطلقا ، ثم قد يكون ذلك فتنة في حقه ومضرة عليه ، إذ كان كفره وفسوقه يقتضي ذلك. وفي «سنن ابن ماجه» من حديث أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من لم يسأل الله [يغضب عليه» (٦٥٣). وقد نظم بعضهم هذا المعنى ، فقال :
الرب يغضب إن تركت سؤاله |
|
وبنيّ آدم حين يسأل يغضب |
قال ابن عقيل : قد ندب الله تعالى الى الدعاء ، وفي ذلك معان : أحدها : الوجود ، فإن ليس بموجود لا يدعى. الثاني : الغنى ، فإن الفقير لا يدعى. الثالث : السمع ، فإن الأصم لا يدعى. الرابع : الكرم ، فإن البخيل لا يدعى. الخامس : الرحمة ، فإن القاسي لا يدعى. السادس : القدرة ، فإن العاجز لا يدعى. ومن يقول بالطبائع يعلم أن النار لا يقال لها : كفي! ولا النجم يقال
__________________
(٦٥٣) صحيح ، وهو مخرج في «المشكاة» (٢٢٣٨) الطبعة الثانية.
كذا وقع في «الطبعة السادسة» من «شرح العقيدة الطحاوية» ، لكن لي موضع آخر منها متقدم على هذا بصفحتين (٥١٦) ما نصه : «ضعيف الإسناد ، فيه أبو صالح الخوزي. قال في «التقريب» : «لين الحديث» ، وأما الحاكم فقال في هذا الحديث (١ / ٤٩١) : «صحيح الاسناد» ، وسكت عليه الذهبي! وقال الترمذي : «لا نعرفه إلا من هذا الوجه».
وليست في متناول يدي نسختي من «المشكاة» التي عليها التحقيق الثاني ، لأقابل ما بينته وبين التضعيف المذكور ، ثم أثبت هنا الصواب منهما ، ويبدو لي الآن ـ والله أعلم ـ أن التضعيف هو المعتمد ، فقد خرجت الحديث في «الضعيفة» برقم (٤٠٤٠) ، وأحلت عليه في المجلد الأول منه (ص ٥٤٢) منبها على خطأ ما جاء في (ص ٢٩) منه من التحسين ، فوجب التنبيه على ذلك كله. والمعصوم من عصمه الله تعالى.