الصفات ، التي ورد بها الكتاب والسنة ، ومنع التأويل الذي يصرفها عن حقائقها اللائقة (٦٥٨) بالله تعالى. كما يقولون مثل ذلك في السمع والبصر والكلام وسائر الصفات ، كما أشار إليه الشيخ فيما تقدم بقوله : إذا كان تأويل الرؤية وتأويل كل معنى يضاف الى الربوبية ـ ترك التأويل ، ولزوم التسليم ، وعليه دين المسلمين (٦٥٩). وانظر الى جواب الإمام مالك رضي الله عنه في صفة [الاستواء] كيف قال : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول. وروي أيضا عن أم سلمة رضي الله عنها موقوفا عليها ، ومرفوعا الى النبي صلىاللهعليهوسلم (٦٦٠). وكذلك قال الشيخ رحمهالله فيما تقدم : «من لم يتوقّ النفي والتشبيه ، زلّ ولم يصب التنزيه». ويأتي في كلامه «أن الإسلام بين الغلو والتقصير ، وبين التشبيه والتعطيل». فقول الشيخ رحمهالله : لا كأحد من الورى ، نفى التشبيه. ولا يقال : إن الرضى إرادة الإحسان ، والغضب إرادة الانتقام ـ فإن هذا نفي للصفة. وقد اتفق أهل السنة على أن الله يأمر بما يحبه ويرضاه ، وإن كان لا يريده ولا يشاؤه ، وينهى عما يسخطه ويكرهه ، ويبغضه ويغضب على فاعله ، وإن كان قد شاءه وأراده. فقد يحبّ عندهم ويرضى ما لا يريده ، ويكره ويسخط لما أراده.
ويقال لمن تأويل الغضب والرضى بإرادة الإحسان : لم تأولت ذلك؟ فلا بد أن يقول : إن الغضب غليان دم القلب ، والرضى الميل والشهوة ، وذلك لا يليق بالله تعالى! فيقال له : غليان دم القلب في الآدمي أمر ينشأ عن صفة الغضب ، لا أنّه الغضب. ويقال له أيضا : وكذلك الإرادة والمشيئة فينا ، فهي ميل الحي الى الشيء أو الى ما يلائمه ويناسبه ، فإن الحي منا لا يريد إلا ما يجلب له منفعة أو يدفع عنه مضرة ، وهو محتاج الى ما يريده ومفتقر إليه ، ويزداد بوجوده ، وينتقص بعدمه. فالمعنى الذي صرفت إليه اللفظ كالمعنى الذي صرفته عنه سواء ، فإن جاز هذا جاز ذاك ، وثان امتنع هذا امتنع ذاك.
__________________
(٦٥٨) في الاصل : اللائقة بما.
(٦٥٩) في الاصل : المرسلين.
(٦٦٠) قلت : لا يصح مرفوعا.