فإن قال : [الإرادة] التي يوصف الله بها مخالفة للإرادة التي يوصف بها العبد ، وان كان كل منهما حقيقة؟ قيل له : فقل : إن الغضب والرضى الذي يوصف الله به مخالف لما يوصف به العبد ، وإن كان كل منهما حقيقة. فإذا كان ما يقوله في الإرادة يمكن أن يقال في هذه الصفات ، لم يتعين التأويل ، بل يجب تركه ، لأنك تسلم من التناقض ، وتسلم أيضا من تعطيل معنى أسماء الله تعالى وصفاته بلا موجب. فإن صرف القرآن عن ظاهره وحقيقته بغير موجب حرام ، ولا يكون الموجب للصرف ما دلّه عليه عقله ، إذ العقول مختلفة ، فكلّ يقول إن عقله دلّه على خلاف ما يقوله الآخر!
وهذا الكلام يقال لكل من نفى صفة من صفات الله تعالى ، لامتناع مسمى ذلك في المخلوق ، فإنه لا بد أن يثبت شيئا لله تعالى على خلاف ما يعهده حتى في صفة الوجود ، فإن وجود العبد كما يليق به ، ووجود الباري تعالى كما يليق به ، فوجوده تعالى يستحيل عليه العدم ، ووجود المخلوق لا يستحيل عليه العدم ، وما سمى به الرب نفسه وسمى به مخلوقاته ، مثل الحي والعليم والقدير ، أو سمى به بعض صفاته ، كالغضب والرضى ، وسمى به بعض صفات عباده ـ : فنحن نعقل بقلوبنا معاني هذه الأسماء في حق الله تعالى ، وأنه حق ثابت موجود ، ونعقل أيضا معاني هذه الأسماء في حق المخلوق ، ونعقل أن بين المعنيين قدرا مشتركا ، لكن هذا المعنى لا يوجد في الخارج مشتركا ، إذ المعنى المشترك الكلي لا يوجد مشتركا إلا في الأذهان ، ولا يوجد في الخارج إلا معينا مختصّا. فيثبت [في] كل منهما كما يليق به. بل لو قيل : غضب مالك خازن النار وغضب غيره من الملائكة ـ : لم يجب أن يكون مماثلا لكيفية غضب الآدميين ، لأن الملائكة ليسوا من الأخلاط الاربعة ، حتى تغلي دماء قلوبهم كما يغلي دم قلب الإنسان عند غضبه. فغضب الله أولى.
وقد نفى الجهم ومن وافقه كلّ ما وصف الله به نفسه ، من كلامه ورضاه وغضبه وحبه وبغضه وأسفه ونحوه ذلك ، وقالوا : إنما هي أمور مخلوقة منفصلة عنه ، ليس هو في نفسه متصفا بشيء من ذلك!! وعارض هؤلاء من الصفاتية ابن كلاب ومن وافقه ، فقالوا : لا يوصف الله بشيء يتعلق بمشيئته وقدرته أصلا ، بل جميع هذه الأمور صفات لازمة لذاته ، قديمة أزلية ، فلا يرضى في وقت دون وقت ، ولا