واحتج من قال لم يستخلف ، بالخبر المأثور ، عن عبد الله بن عمر ، عن عمر رضي الله عنهما ، أنه قال : «إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني ، يعني أبا بكر ، وإن لا أستخلف ، فلم يستخلف من هو خير [مني] ، يعني رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، [قال عبد الله : فعرفت أنه حين ذكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم غير مستخلف] (٦٨٤). وبما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت من كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم مستخلفا لو استخلف. والظاهر ـ والله أعلم ـ أن المراد أنه لم يستخلف بعهد مكتوب ، ولو كتب عهدا لكتبه لأبي بكر ، بل قد أراد كتابته ثم تركه ، وقال : «يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر» (٦٨٥). فكان هذا أبلغ من مجرد العهد ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم دلّ المسلمين على استخلاف أبي بكر ، وأرشدهم إليه بأمور متعددة ، من أقواله وأفعاله ، وأخبر بخلافته إخبار راض بذلك ، حامد له ، وعزم على أن يكتب بذلك عهدا ، ثم علم أن المسلمين يجتمعون عليه ، فترك الكتاب اكتفاء بذلك ، ثم عزم على ذلك في مرضه يوم الخميس ، ثم لما حصل لبعضهم شكّ : هل ذلك القول من جهة المرض؟ أو هو قول يجب اتباعه؟ ترك الكتابة ، اكتفاء بما علم أن الله يختاره والمؤمنون من خلافة أبي بكر. فلو كان التعيين مما يشتبه على الأمة لبينه بيانا قاطعا للعذر ، لكن لما دلهم دلالات متعددة على أن أبا بكر المتعين ، وفهموا ذلك ـ حصل المقصود. ولهذا قال عمر رضي الله عنه ، في خطبته التي خطبها بمحضر من المهاجرين والأنصار : أنت خيرنا وسيدنا وأحبنا الى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولم ينكر ذلك منهم أحد ، ولا قال أحد من الصحابة إن غير أبي بكر من المهاجرين أحق بالخلافة منه ، ولم ينازع أحد في خلافته إلا بعض الأنصار ، طمعا في أن يكون من الانصار أمير ومن المهاجرين أمير ، وهذا مما ثبت بالنصوص المتواترة عن النبي صلىاللهعليهوسلم بطلانه. ثم الأنصار كلهم بايعوا أبا بكر ، إلا سعد بن عبادة ، لكونه هو الذي كان يطلب الولاية. ولم يقل أحد من الصحابة قط أن النبي صلىاللهعليهوسلم نصّ على غير أبي بكر ، لا عليّ ، ولا العباس ، ولا غيرهما ، كما قد قال أهل البدع! وروى ابن بطة بإسناده :
__________________
(٦٨٤) متفق عليه ، واللفظ المسلم.
(٦٨٥) مسلم وغيره ، ومضى (برقم ٦٧٦). وهو مخرج في «الظلال» (٢ / ٥٣٥)
.