يدّعي الإسلام ، قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة ، وكان العباس أكثرهم رقيقا ، فقال : إن شئت فعلت؟ أي : إن شئت قتلنا؟ قال : كذبت! بعد ما تكلموا بلسانكم ، وصلّوا قبلتكم ، وحجّوا حجكم؟ فاحتمل الى بيته ، فانطلقنا معه ، وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ ، فقائل يقول : لا بأس عليه ، وقائل يقول : أخاف عليه ، فأتي بنبيذ فشربه ، فخرج من جوفه ، ثم أتى بلبن فشربه ، فخرج من جوفه ، فعرفوا أنه ميت ، فدخلنا عليه ، وجاء الناس يثنون عليه ، وجاء رجل شاب ، فقال : أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك ، من صحبة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقدم (٦٩٧) في الاسلام ما قد علمت ، ثم وليت فعدلت ، ثم شهادة ، قال : وددت أن ذلك كفاف ، لا عليّ ولا لي ، فلما أدبر إذا إزاره يمسّ الأرض ، قال : ردّوا عليّ الغلام ، قال : يا ابن أخي ، «ارفع ثوبك ، فإنه أنقى لثوبك ، وأتقى لربك» (٦٩٨) ، يا عبد الله بن عمر ، انظر ما عليّ من الدين؟ فحسبوه ، فوجدوه ستة وثمانون ألفا أو نحوه ، قال : [إن] وفي له مال آل عمر ، [فأدّه من أموالهم] ، وإلا فسل في بني عدي بن كعب ، فإن لم تف أموالهم ، فسل في قريش ، ولا تعدهم الى غيرهم ، فأدّ عني هذا المال ، انطلق الى عائشة أم المؤمنين ، فقل : يقرأ عليك عمر السلام ، ولا تقل : أمير المؤمنين ، فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا ، وقل : يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه ، فسلّم واستأذن ، ثم دخل عليها ، فوجدها قاعدة تبكي ، فقال : يقرأ عليك عمر [بن الخطاب] السلام ، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه ، فقالت : كنت أريده لنفسي ، ولأوثرنّ به اليوم على نفسي ، فلما أقبل ، قيل : هذا عبد الله [بن عمر] قد جاء ، قال : ارفعوني ، فأسنده رجل إليه ، قال : ما لديك؟ قال : الذي تحبّ يا أمير المؤمنين أذنت ، قال : الحمد لله ، ما كان شيء أهم إليّ من ذلك ، فإذا أنا قضيت فاحملوني ، ثم سلّم فقل : يستأذن عمر بن الخطاب ، فإن أذنت لي فأدخلوني ، وإن ردتني فردوني الى مقابر
__________________
(٦٩٧) بفتح القاف وكسرها ، فالأول بمعنى الفضل ، والآخر بمعنى السبق.
(٦٩٨) ما بين الهلالين المزدوجين حديث مرفوع أخرجه الترمذي في «الشمائل» (رقم ٩٧ ـ مختصرة) وهو تحت الطبع ، وبعضه في «الصحيحة» (١٤٤١).