وخلافة الحسن ستة أشهر. وأول ملوك المسلمين معاوية رضي الله عنه ، وهو خير ملوك المسلمين ، لكنه إنما صار إماما حقا لما فوّض إليه الحسن بن علي رضي الله عنهم الخلافة ، فإن الحسن رضي الله عنه بايعه أهل العراق بعد موت أبيه ، ثم بعد ستة أشهر فوّض الأمر الى معاوية ، فظهر صدق قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن ابني هذا سيد ، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» (٧١٠). والقصة معروفة في موضعها.
فالخلافة ثبتت لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد عثمان رضي الله عنه ، بمبايعة الصحابة ، سوى معاوية مع أهل الشام. والحقّ مع علي رضي الله عنه ، فإن عثمان رضي الله عنه لما قتل كثر الكذب والافتراء على عثمان وعلى من كان بالمدينة من أكابر الصحابة كعلي وطلحة والزبير ، وعظمت الشبهة عند من لم يعرف الحال ، وقويت الشهوة في نفوس ذوي الأهواء والأغراض ، ممن بعدت داره من أهل الشام ، ويحمي الله عثمان ، أن يظنّ بالأكابر ظنون سوء ، ويبلغه عنهم أخبار (٧١١) ، منها ما هو كذب ، ومنها ما هو محرّف ، ومنها ما لم يعرف وجهه ، وانضم الى ذلك أهواء أقوام يحبون العلوّ في الأرض. وكان في عسكر علي رضي الله عنه ـ من أولئك الطغاة الخوارج ، الذين قتلوا عثمان ـ من لم يعرف بعينه ، ومن تنتصر له قبيلته ، ومن لم تقم عليه حجة بما فعله ، ومن في قلبه نفاق لم يتمكن من إظهاره كله ، ورأى طلحة والزبير أنه إن لم ينتصر للشهيد المظلوم ، ويقمع أهل الفساد والعدوان ، وإلا استوجبوا غضب الله وعقابه. فجرت فتنة الجمل على غير اختيار من علي ، ولا من طلحة والزبير ، وإنما أثارها المفسدون بغير اختيار السابقين ، ثم جرت فتنة صفّين لرأي ، وهو أن أهل الشام لم يعدل عليهم ، أو لا يتمكن من العدل عليهم ـ وهم كافّون ، حتى يجتمع أمر الأمة ، وأنهم يخافون طغيان من في العسكر ، كما طغوا على الشهيد المظلوم ، وعلي رضي الله عنه هو الخليفة الراشد المهديّ الذي تجب طاعته ، ويجب أن يكون الناس مجتمعين عليه ، فاعتقد أن الطاعة والجماعة الواجبتين عليهم تحصل بقتالهم ، بطلب الواجب عليهم ، بما اعتقد
__________________
(٧١٠) متفق عليه من حديث أبي بكرة.
(٧١١) في الاصل : وبلغ عنهم أخبارا.