رسوله ، وهي أمره ونهيه وخبره ، وحظ العبد منها العلم بها ، والعمل (٧٥١) ، والأمر بما أمر الله به ، كما أن حظ العباد عموما وخصوصا العلم بالكونيات والتأثير فيها ، أي بموجبها. فالأولى تدبيرية كونية ، والثانية شرعية دينية. فكشف الأولى العلم بالحوادث الكونية ، وكشف الثانية العلم بالمأمورات الشرعية. وقدرة الاولى التأثير في الكونيات ، إما في نفسه كمشيه على الماء ، وطيرانه في الهواء ، وجلوسه في النار ، وإما في غيره ، بإصحاح وإهلاك ، وإغناء وإفقار. وقدرة الثانية التأثير في الشرعيات ، إما في نفسه بطاعة الله ورسوله والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله باطنا وظاهرا ، وإما في غيره بأن يأمر بطاعة الله ورسوله فيطاع في ذلك طاعة شرعية. فإذا تقرر ذلك ، فاعلم أن عدم الخوارق علما وقدرة لا تضرّ المسلم في دينه ، فمن لم ينكشف له شيء من المغيّبات ، ولم يسخر له شيئا من الكونيات ـ : لا ينقص ذلك في مرتبته عند الله ، بل قد يكون عدم ذلك أنفع له ، فإنه إن اقترن به الدين وإلا هلك صاحبه في الدنيا والآخرة ، فإن الخارق قد يكون مع الدين ، وقد يكون مع عدمه ، أو فساده ، أو نقصه. فالخوارق النافعة تابعة للدين ، خادمة له ، كما أن الرئاسة النافعة هي التابعة للدين ، وكذلك المال النافع ، كما كان السلطان والمال [النافع] بيد النبي صلىاللهعليهوسلم وأبي بكر وعمر. فمن جعلها هي المقصودة ، وجعل الدين تابعا لها ، ووسيلة إليها ، لا لأجل الدين في الأصل ـ : فهو شبيه بمن يأكل الدنيا بالدين ، وليست حاله كحال من تديّن خوف العذاب ، أو رجاء الجنة ، فإن ذلك ما هو مأمور به ، وهو على سبيل نجاة ، وشريعة صحيحة. والعجب أن كثيرا ممن يزعم أن همه قد ارتفع عن أن يكون خوفا من النار أو طلبا للجنة ـ يجعل همه بدينه أدنى خارق من خوارق الدنيا!!
ثم إن الدين إذا صح علما وعملا فلا بد أن يوجب خرق العادة ، إذا احتاج الى ذلك صاحبه. قال تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق : ٢ ـ ٣. وقال تعالى : (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) الانفال : ٢٩. وقال تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ
__________________
(٧٥١) قال عفيفي : انظر ص ٣١٩ ج ١١ من «مجموع الفتاوى» لابن تيمية.