باستعاذتهم بهم ، رهقا ، أي إثما وطغيانا وجراءة وشرّا ، وذلك أنهم قالوا : قد سدنا الجنّ ، والإنس! فالجنّ تعاظم في أنفسها وتزداد كفرا إذا عاملتها الانس بهذه المعاملة. وقد قال تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ، ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ. قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ ، بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ ، أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) سبأ : ٤٠ ـ ٤١. فهؤلاء الذين يزعمون أنهم يدعون الملائكة ويخاطبونهم بهذه العزائم ، وأنها تنزّل عليهم ـ : ضالون ، وإنما تنزّل عليهم الشياطين. وقد قال تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ، يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ ، وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا ، قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللهُ ، إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) الانعام : ١٢٨. فاستمتاع الإنسي بالجني : في قضاء حوائجه ، وامتثال أوامره ، وإخباره بشيء من المغيبات ، ونحو ذلك ، واستمتاع الجنّ بالإنس : تعظيمه إياه ، واستعانته به ، واستغاثته وخضوعه له.
ونوع منهم بالأحوال الشيطانية ، والكشوف ومخاطبته رجال الغيب ، وأن لهم خوارق تقتضي أنهم أولياء الله! وكان من هؤلاء من يعين المشركين على المسلمين! ويقول : إن الرسول أمره بقتال المسلمين مع المشركين ، لكون المسلمين قد عصوا!! وهؤلاء في الحقيقة إخوان المشركين. والناس من أهل العلم فيهم [على] ثلاثة أحزاب : حزب يكذبون بوجود رجال الغيب ، ولكن قد عاينهم [الناس] ، [وثبت عمن عاينهم] أو حدثه الثقات بما رأوه ، وهؤلاء إذا رأوهم وتيقنوا وجودهم خضعوا لهم. وحزب عرفوهم ، ورجعوا الى القدر ، واعتقدوا أن ثم في الباطن طريقا الى الله غير طريقة الأنبياء! وحزب ما أمكنهم أن يجعلوا وليّا خارجا عن دائرة الرسول ، فقالوا : يكون الرسول هو ممدّا للطائفتين. فهؤلاء معظمون للرسول جاهلون بدينه وشرعه ، والحق : أن هؤلاء [من] أتباع الشياطين ، وأن رجال الغيب هم الجن ، ويسمون رجالا ، كما قال تعالى : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) الجن : ٦. وإلا فالإنس يؤنسون ، أي يشهدون ويرون ، وإنما يحتجب الإنسي أحيانا ، لا يكون دائما محتجبا عن أبصار الإنس ، ومن ظنهم أنهم من «الإنس» فمن غلطه وجهله. وسبب الضلال