فيهم ، وافتراق هذه الاحزاب الثلاثة ـ عدم الفرقان بين أولياء الشيطان وأولياء الرحمن. ويقول بعض الناس : الفقراء يسلّم إليهم حالهم! وهذا كلام باطل ، بل الواجب عرض أفعالهم وأحوالهم على الشريعة المحمدية ، فما وافقها قبل! وما خالفها ردّ ، كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» (٧٧٩). وفي رواية : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد». فلا طريقة إلا طريقة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ولا حقيقة إلا حقيقته ، ولا شريعة إلا شريعته ، ولا عقيدة إلا عقيدته ، ولا يصل أحد [من الخلق بعده] الى الله والى رضوانه وجنته وكرامته إلا بمتابعته باطنا وظاهرا. ومن لم يكن له مصدقا فيما أخبر ، ملتزما لطاعته فيما أمر ، في الأمور الباطنة التي في القلوب ، والأعمال الظاهرة التي على الأبدان ـ : لم يكن مؤمنا ، فضلا عن أن يكون وليّا لله تعالى ، ولو طار في الهواء ، ومشى على الماء ، وأنفق من الغيب ، وأخرج الذهب من الخشب (٧٨٠) ، ولو حصل له من الخوارق ما ذا عسى أن يحصل!! فإنه لا يكون ، مع تركه الفعل المأمور وعزل المحظور ـ إلا من أهل الأحوال الشيطانية ، المبعدة لصاحبها عن الله تعالى ، المقربة الى سخطه وعذابه. لكن من ليس يكلّف من الأطفال والمجانين ، قد رفع عنهم القلم ، فلا يعاقبون ، وليس لهم من الإيمان بالله والإقرار باطنا وظاهرا ما يكونون به من أولياء الله المقربين ، وحزبه المفلحين ، وجنده الغالبين. لكن يدخلون في الإسلام تبعا لآبائهم ، كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ، كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) الطور : ٢١. فمن اعتقد في بعض البله أو المولعين (٧٨١) ، مع تركه لمتابعة الرسول في أقواله وأفعاله وأحواله ـ أنه من أولياء الله ، ويفضله على متبعي طريقة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فهو ضالّ مبتدع ، مخطئ في اعتقاده. فإن ذاك الأبله ، إمّا أن يكون شيطانا زنديقا ، أو
__________________
(٧٧٩) صحيح ، متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها ، وهو مخرج في «الارواء» (٨٨) ، و «غاية المرام» (٥) ورواه ابن أبي عاصم في «السنة» (٥٢ و ٥٣).
(٧٨٠) في الأصل : الجيب.
(٧٨١) في الأصل : المؤلفين.