قوله تعالى : (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) الانعام : ٦٥ ، قال : «أعوذ بوجهك» (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) الانعام : ٦٥ ـ قال : «هاتان أهون» (٧٩٣). فدل على أنه لا بد أن يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض ، مع براءة الرسول من هذه الحال ، وهم فيها في جاهلية. ولهذا قال الزهري : وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم متوافرون ، فأجمعوا على أن كل دم أو مال أو قرح أصيب بتأويل القرآن ـ : فهو هدر ، انزلوهم منزلة الجاهلية. وقد روى مالك (٧٩٤) بإسناده الثابت عن عائشة رضي الله عنها ، أنها كانت تقول : ترك الناس العمل بهذه الآية ، يعني قوله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) الحجرات : ٩. فإن المسلمين لما اقتتلوا كان الواجب الإصلاح بينهم كما أمر الله تعالى ، فلما لم يعمل بذلك صارت فتنة وجاهلية ، وهكذا تسلسل النزاع.
[والأمور] التي تتنازع فيها الأمة ، في الأصول والفروع ـ إذا لم تردّ الى الله والرسول ، لم يتبين فيها الحق ، بل يصير فيها المتنازعون على غير بيّنة من أمرهم ، فإن رحمهمالله أقرّ بعضهم بعضا ، ولم يبغ بعضهم على بعض ، كما كان الصحابة في خلافة عمر وعثمان يتنازعون في بعض مسائل الاجتهاد ، فيقر بعضهم بعضا ، ولا يعتدي ولا يعتدى عليه ، وإن لم يرحموا وقع بينهم الاختلاف المذموم ، فبغى بعضهم على بعض ، إما بالقول ، مثل تكفيره وتفسيقه ، وإما بالفعل ، مثل حبسه وضربه وقتله. والذين امتحنوا الناس بخلق القرآن ، كانوا من هؤلاء ، ابتدعوا بدعة ، وكفّروا من خالفهم فيها ، واستحلوا منع حقه وعقوبته.
فالناس إذا خفي عليهم بعض ما بعث الله به الرسول : إما عادلون وإما ظالمون ، فالعادل فيهم : الذي يعمل بما وصل إليه من آثار الأنبياء ، ولا يظلم
__________________
(٧٩٣) صحيح ، وعزوه ل «الصحيحين» وهم ، فإنه من افراد البخاري كما يدل على ذلك تخريج ابن كثير إياه في «التفسير» ، والحافظ المزي في «التحفة» (٢ / ٢٥١).
(٧٩٤) لم أجده في «الموطأ».