غيره ، والظالم : الذي يعتدي على غيره. وأكثرهم إنما يظلمون مع علمهم بأنهم يظلمون ، كما قال تعالى : (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) آل عمران : ١٩. وإلا فلو سلكوا ما علموه من العدل ، أقرّ بعضهم بعضا ، كالمقلدين لأئمة العلم ، الذين يعرفون من أنفسهم أنهم عاجزون عن معرفة حكم الله ورسوله في تلك المسائل ، فجعلوا أئمتهم نوابا عن الرسول ، وقالوا : هذا غاية ما قدرنا عليه ، فالعادل منهم لا يظلم الآخر ، ولا يعتدي عليه بقول ولا فعل ، مثل أن يدعي أن قول مقلّده هو الصحيح بلا حجة يبديها ، ويذم من خالفه ، مع أنه معذور.
ثم إن أنواع الافتراق والاختلاف في الأصل قسمان :
اختلاف تنوع ، واختلاف تضاد.
واختلاف التنوع على وجوه :
منه ما يكون كل واحد من القولين أو الفعلين حقّا مشروعا ، كما في القراءات التي اختلف فيها الصحابة رضي الله عنهم ، حتى زجرهم النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقال : «كلاكما محسن» (٧٩٥) ، ومثله اختلاف الأنواع في صفة الأذان ، والإقامة ، والاستفتاح ، ومحل سجود السهو ، والتشهد ، وصلاة الخوف ، وتكبيرات العيد ، ونحو ذلك ، مما قد شرع جميعه ، وإن كان بعض أنواعه أرجح أو أفضل. ثم تجد لكثير من الأمة في ذلك من الاختلاف ما أوجب اقتتال طوائف منهم على شفع الإقامة وإيتارها ونحو ذلك! وهذا عين المحرم. وكذا تجد كثيرا منهم في قلبه من الهوى لأحد هذه الأنواع ، والإعراض عن الآخر والنهي عنه ـ : ما دخل به فيما نهى عنه النبي صلىاللهعليهوسلم.
ومنه ما يكون كل من القولين هو في المعنى القول الآخر ، لكن العبارتان مختلفتان ، كما قد يختلف كثير من الناس في ألفاظ الحدود ، وصيغ الأدلة ، والتعبير عن المسميات ، ونحو ذلك. ثم الجهل أو الظلم يحمل على حمد إحدى المقالتين وذمّ الأخرى والاعتداء على قائلها! ونحو ذلك.
__________________
(٧٩٥) البخاري من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.