كما في حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أصحابه ذات يوم وهم يختصمون في القدر ، هذا ينزع بآية وهذا ينزع بآية ، فكأنما فقئ في وجهه حبّ الرمان ، فقال : «أبهذا أمرتم؟ أم بهذا وكلتم؟ أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟ انظروا ما أمرتم به فاتّبعوه ، وما نهيتم عنه فانتهوا» (٧٩٩). وفي رواية : «يا قوم بهذا ضلت الأمم قبلكم ، باختلافهم على أنبيائهم وضربهم الكتاب بعضه ببعض ، وإن القرآن لم ينزل لتضربوا بعضه ببعض ، ولكن نزل القرآن يصدق بعضه بعضا ، ما عرفتم منه فاعملوا به ، وما تشابه فآمنوا به». وفي رواية : «فإن الأمم قبلكم لم يلعنوا حتى اختلفوا ، وإن المراء في القرآن كفر» (٨٠٠). وهو حديث مشهور ، مخرج في «المسانيد والسنن». وقد روى أصل الحديث مسلّم في «صحيحه» ، من حديث عبد الله بن رباح الأنصاري ، أن عبد الله بن عمرو قال : هجّرت الى النبي صلىاللهعليهوسلم يوما ، فسمع صوت رجلين اختلفا في آية ، فخرج علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعرف في وجهه لغضب ، فقال : «إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب» (٨٠١).
وجميع أهل البدع مختلفون في تأويله ، مؤمنون ببعضه دون بعض ، يقرون بما يوافق رأيهم من الآيات ، وما يخالفه : إما أن يتأوله تأويلا يحرّفون فيه الكلم عن مواضعه ، وإما أن يقولوا : هذا متشابه لا يعلم أحد معناه ، فيجحدون ما أنزله من معانيه! وهو في معنى الكفر بذلك ، لأن الإيمان باللفظ بلا معنى هو من جنس إيمان أهل الكتاب ، كما قال تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) الجمعة : ٥. وقال تعالى : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ) البقرة : ٧٨ ، أي : إلا تلاوة من غير فهم معناه. وليس هذا كالمؤمن الذي فهم ما فهم من القرآن فعمل به ، واشتبه عليه بعضه فوكل علمه الى
__________________
(٧٩٩) صحيح وقد مضى ص ٢٠١.
(٨٠٠) صحيح.
(٨٠١) صحيح لإخراج مسلّم إياه.