الله ، فمعلوم أن أصوله المستلزمة له لا يجوز أن تكون منقولة عن النبي صلىاللهعليهوسلم ولا عن غيره من المرسلين ، إذ هو باطل ، وملزوم الباطل باطل ، كما أن لازم الحق حق.
وقوله : بين الغلو والتقصير ـ قال تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِ) المائدة ٧٧. وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ ، وَلا تَعْتَدُوا ، إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً ، وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) المائدة : ٨٧ ـ ٨٨. وفي «الصحيحين» عن عائشة رضي الله عنها : أن ناسا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم سألوا أزواج رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن عمله في السر؟ فقال بعضهم : لا آكل اللحم ، وقال بعضهم : لا أتزوج النساء ، وقال بعضهم : لا أنام على فراش ، فبلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : «ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا؟! لكني أصوم وأفطر ، وأنام وأقوم ، وآكل اللحم ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني» (٨٠٤). وفي غير «الصحيحين» : «سألوا عن عبادته في السر ، فكأنهم تقالّوها» (٨٠٥). وذكر في سبب نزول الآية الكريمة : عن ابن جريج ، عن عكرمة أن عثمان بن مظعون ، وعلي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، والمقداد بن الأسود ، وسالما مولى أبي حذيفة ، رضي الله عنهم في أصحابه ـ تبتّلوا ، فجلسوا في البيوت ، واعتزلوا النساء ، ولبسوا المسوح ، وحرّموا طيبات الطعام واللباس ، إلا ما يأكل ويلبس أهل السياحة من بني اسرائيل ، وهموا بالاختصاء ، وأجمعوا لقيام الليل وصيام النهار ، فنزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ ، وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) المائدة : ٨٧ ، يقول : لا تسيروا بغير سنة المسلمين ، يريد ما حرموا من النساء والطعام واللباس ، وما أجمعوا له من قيام الليل وصيام النهار ، وما هموا به من الاختصاء ، فلما نزلت فيهم ، بعث النبي صلىاللهعليهوسلم إليهم ، فقال : «إن لأنفسكم
__________________
(٨٠٤) صحيح ، ولكنه عندهما من حديث أنس ، وليس من حديث عائشة ، وانما لها عندهما حديث آخر بغير هذا السياق ، وفيه قوله صلىاللهعليهوسلم : «ما بال أقوام يرغبون عما رخص لي فيه ، فو الله لأنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية» وليس فيه «فمن رغب ...».
(٨٠٥) قلت : بل هو عند البخاري في أول «النكاح» في القصة التي قبلها ، دون قوله «في السر». وهذا عند أحمد (٣ / ٢٥٩).