لنسب إليهم افعالهم على سبيل المجاز ، كما يقال تحركت الشجرة ، ودار الفلك ، وزالت الشمس! ولقد أحسن القائل :
عجبت لشيطان دعا الناس جهرة |
|
الى النار واشتق اسمه من جهنم |
وقد نقل أن أبا حنيفة رحمهالله ، لما سئل عن الكلام في الأعراض والأجسام؟ فقال : لعن الله عمرو بن عبيد ، هو فتح على الناس الكلام في هذا.
والجبرية : أصل قولهم من جهم بن صفوان ، كما تقدم ، وأن فعل العبد بمنزلة طوله ولونه! وهم عكس القدرية نفاة القدر ، فإن القدرية إنما نسبوا إلى القدر لنفيهم إياه ، كما سميت المرجئة لنفيهم الإرجاء ، وأنه لا أحد مرجأ لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم. وقد تسمى الجبرية «قدرية» لأنهم غلوا في إثبات القدر ، وكما يسمى الذين لا يجزمون بشيء من الوعد والوعيد ، بل يغلون في إرجاء كل أمر حتى الأنواع ، فلا يجزمون بثواب من تاب ، كما لا يجزمون بعقوبة من لم يتب ، وكما لا يجزم لمعين. وكانت المرجئة الأولى يرجئون عثمان وعليّا ، ولا يشهدون بإيمان ولا كفر!!
وقد ورد في ذم القدرية أحاديث في «السنن» : منها ما روى أبو داود في «سننه» ، من حديث عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، قال : «القدرية مجوس هذه الأمة ، إن مرضوا فلا تعودوهم ، وإن ماتوا فلا تشهدوهم» (٨٠٩). وروي في ذم القدرية أحاديث أخر كثيرة ، تكلم أهل الحديث في صحة رفعها ، والصحيح أنها موقوفة ، بخلاف الأحاديث الواردة في ذم الخوارج ، فإن فيهم في «الصحيح» وحده عشرة أحاديث ، أخرج البخاري منها ثلاثة ، وأخرج مسلم سائرها. ولكن مشابهتهم للمجوس ظاهرة ، بل قولهم أردأ من قول المجوس ، فإن المجوس اعتقدوا وجود خالقين ، والقدرية اعتقدوا خالقين!!
وهذه البدع المتقابلة حدثت من الفتن المفرّقة بين الأمة ، كما ذكر البخاري في «صحيحه» ، عن سعيد بن المسيب ، قال : وقعت الفتنة الأولى ، يعني مقتل
__________________
(٨٠٩) حسن وقد تقدم.