عثمان ، فلم تبق من أصحاب بدر أحدا. ثم وقعت الفتنة الثانية ، فلم تبق من أصحاب الحديبية أحدا. ثم وقعت الثالثة ، فلم ترتفع وللناس طباخ ، أي عقل وقوة. فالخوارج والشيعة حدثوا في الفتنة الاولى ، والقدرية والمرجئة في الفتنة الثانية ، والجهمية ونحوهم بعد الفتنة الثالثة. فصار هؤلاء (الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) الانعام : ١٥٩ ـ يقابلون البدعة بالبدعة ، أولئك غلوا في عليّ ، وأولئك كفّروه! وأولئك غلوا في الوعيد ، حتى خلدوا بعض المؤمنين ، وأولئك غلوا في الوعيد حتى نفوا بعض الوعيد أعني المرجئة! وأولئك غلوا في التنزيه حتى نفوا الصفات ، وهؤلاء غلوا في الإثبات ، حتى وقعوا في التشبيه! وصاروا يبتدعون من الدلائل والمسائل ما ليس بمشروع ، ويعرضون عن الأمر المشروع ، وفيهم من استعان على ذلك بشيء من كتب الاوائل : اليهود والنصارى والمجوس والصابئين ، فإنهم قرءوا كتبهم ، فصار عندهم من ضلالتهم ما أدخلوه في مسائلهم ودلائلهم ، وغيّروه في اللفظ تارة ، وفي المعنى أخرى! فلبسوا الحق بالباطل ، وكتموا حقّا جاء به نبيهم ، فتفرقوا واختلفوا وتكلموا حينئذ في الجسم والعرض والتجسيم ، نفيا واثباتا.
وسبب ضلال هذه الفرق وأمثالهم ، عدولهم عن الصراط المستقيم ، الذي أمرنا الله باتباعه ، فقال تعالى : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ ، وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) الانعام : ١٥٣. وقال تعالى : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) يوسف : ١٠٨ فوحّد لفظ «صراطه» و «سبيله» ، وجمع «السبل» المخالفة له. وقال ابن مسعود رضي الله عنه : خط لنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم خطّا ، وقال : «هذا سبيل الله ، ثم خطّ خطوطا عن يمينه وعن يساره ، وقال : هذه سبل ، على كل سبيل شيطان يدعو إليه ، ثم قرأ : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ ، وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ، ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)» الانعام : ١٥٣ (٨١٠). ومن هاهنا يعلم أن اضطرار العبد الى سؤال هداية الصراط المستقيم فوق كل ضرورة ، ولهذا شرع الله تعالى في الصلاة
__________________
(٨١٠) صحيح ، رواه الحاكم وغيره «تخريج السنة» (رقم ١٧).