ولفرق الضّلال في الوحي طريقتان : طريقة التبديل ، وطريقة التجهيل. أما أهل التبديل فهم نوعان : أهل الوهم والتخييل ، وأهل التحريف والتأويل.
فأهل الوهم والتخييل ، هم الذين يقولون : أن الأنبياء خبروا عن الله واليوم الآخر والجنة والنار بأمور غير مطابقة للأمر في نفسه! لكنهم حاطبوهم بما يتخيلون به ويتوهمون به أن الله شيء عظيم كبير ، وأن الأبدان تعاد ، وان لهم نعيما محسوسا ، وعقابا محسوسا ، وان كان الأمر ليس كذلك ، لأن مصلحة الجمهور في ذلك ، وان كان كذبا فهو كذب لمصلحة الجمهور!! وقد وضع ابن سينا وأمثاله قانونهم على هذا الأصل.
وأما أهل التحريف والتأويل ، فهم الذين يقولون : أن الأنبياء لم يقصدوا بهذه الأقوال ما هو الحقّ في نفس الأمر ، وأن الحق في نفس الامر هو ما علمناه بعقولنا! ثم يجتهدون في تأويل هذه الأقوال الى ما يوافق رأيهم بأنواع التأويلات!! ولهذا كان أكثرهم لا يجزمون بالتأويل ، بل يقولون : يجوز أن يراد كذا. وغاية ما معهم امكان احتمال اللفظ.
وأما أهل التجهيل والتضليل ، الذين حقيقة قولهم : ان الأنبياء وأتباع الأنبياء جاهلون ضالون ، لا يعرفون ما أراد الله بما وصف [به] نفسه من الآيات وأقوال الأنبياء! ويقولون : يجوز أن يكون للنص تأويل لا يعلمه إلّا الله ، لا يعلمه جبرائيل ولا محمد ولا غيره من الأنبياء ، فضلا عن الصحابة والتابعين لهم باحسان ، وأن محمدا صلىاللهعليهوسلم كان يقرأ : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٨١٣) طه : ٥. (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) فاطر : ١٠. (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) ص : ٧٥ ـ وهو لا يعرف معاني هذه الآيات! بل معناها الذي دلت عليه لا يعرفه الا الله تعالى!! ويظنون أن هذه طريقة السلف!!
ثم منهم من يقول : إن المراد بهذا خلاف مدلولها الظاهر المفهوم ، ولا يعرفه
__________________
(٨١٣) قال عفيفي : انظر «العقل والنقل» لابن تيمية ج ١ ص ٣ ـ ٤ ـ ٥ ـ ٦ الطبعة المفردة «وتفسير ابن كثير» لآية : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) سورة آل عمران ، الآية (٧).