وينبغي أن [يعرف] أن عامة من ضل في هذا الباب أو عجز فيه عن معرفة الحق ، فإنما هو لتفريطه في اتباع ما جاء به الرسول ، وترك النظر والاستدلال الموصل الى معرفته. فلما أعرضوا عن كتاب الله ضلوا ، كما قال تعالى : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى. قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً. قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) طه : ١٢٣ ـ ١٢٦.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : تكفّل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ، [أن] لا يضل في الدنيا ، ولا يشقى في الآخرة ثم قرأ هذه الآيات. وكما في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «انها ستكون فتن» قلت : فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال : «كتاب الله ، فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، هو الفصل ، ليس بالهزل ، من تركه من جبّار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، وهو الذي لا تزيغ به الاهواء ، ولا تلتبس به الالسن ، ولا تنقضي عجائبه ، ولا تشبع (٢) منه العلماء ، من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ، ومن حكم به عدل ، ومن دعا إليه هدي الى صراط مستقيم» (٣) الى غير ذلك من الآيات والاحاديث ، الدالة على مثل هذا المعنى.
ولا يقبل الله من الاولين والآخرين دينا يدينون به ، الا أن يكون موافقا لدينه الذي شرعه على ألسنة رسله عليهمالسلام.
وقد نزّه الله تعالى نفسه عما يصفه العباد ، الا ما وصفه به المرسلون بقوله سبحانه : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ
__________________
(٢) في الاصل : يشبع. وفي «سنن الترمذي» بالياء والتاء.
(٣) هذا حديث جميل المعنى ، ولكن اسناده ضعيف ، فيه الحارث الاعور ، وهو لين ، بل اتهمه بعض الأئمة بالكذب ، ولعل أصله موقوف على علي رضي الله عنه ، فأخطأ الحارث فرفعه الى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد ضعفه محرجه الترمذي نفسه فقال : «لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وإسناده مجهول ، وفي الحارث مقال».