فأخبر رحمهالله عما كان عليه السلف ، ونقل عن الامام أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي ، وصاحبيه أبي سوف يعقوب بن ابراهيم الحميري الانصاري ، ومحمد بن الحسن الشيباني رضي الله عنهم ـ ما كانوا يعتقدون من أصول الدين ، ويدينون به رب العالمين.
وكلما بعد العهد ، ظهرت البدع ، وكثر التحريف ، الذي سماه أهله تأويلا ليقبل ، وقل من يهتدي الى الفرق بين التحريف والتأويل. اذ قد يسمى (٨) صرف الكلام عن ظاهره الى معنى آخر يحتمله اللفظ في الجملة تأويلا ، وان لم يكن ثمّ قرينة توجب ذلك ، ومن هنا حصل الفساد. فإذا سموه تأويلا قبل وراج على من لا يهتدي الى الفرق بينهما.
فاحتاج المؤمنون بعد ذلك الى إيضاح الادلة ، ودفع الشبه الواردة عليها ، وكثر الكلام والشغب ، وسبب ذلك اصغاؤهم الى شبه المبطلين ، وخوضهم في الكلام المذموم ، الذي عابه السلف ، ونهوا عن النظر فيه والاشتغال به والاصغاء إليه ، امتثالا لامر ربهم ، حيث قال : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) الانعام : ٦٨. فان معنى الآية يشملهم. وكلّ من التحريف والانحراف على مراتب : فقد يكون كفرا ، وقد يكون فسقا ، وقد يكون معصية ، وقد يكون خطأ.
فالواجب اتباع المرسلين ، واتباع ما أنزله الله عليهم. و [قد] ختمهم الله بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، فجعله آخر الأنبياء ، وجعل كتابه مهيمنا على ما بين يديه من كتب السماء ، وأنزل عليه الكتاب والحكمة ، وجعل دعوته عامة لجميع الثقلين ، الجن والانس ، باقية الى يوم القيامة ، وانقطعت به حجة العباد على الله. وقد بيّن الله به كل شيء ،
__________________
ـ ١١ : ١٧٤. و «المنتظم» لابن الجوزي ٦ : ٢٥. و «شذرات الذهب» ٢ : ٢٨٨. و «اللباب» لابن الاثير ٢ : ٨٢. و «الجواهر المضية» لابن أبي الوفاء : ١ : ١٠٢ ـ ١٠٥. و «الفوائد البهية» : ٣١ ـ ٣٤. «ولسان الميزان» ١ : ٢٧٤ ـ ٢٨٢. و «تهذيب تاريخ ابن عساكر» ٢ : ٥٤ ـ ٥٥. و «ابن خلكان» ١ : ٥٣ ـ ٥٥ طبعة مكتبة النهضة بمصر.
(٨) في الاصل : سمي.