وأكمل له ولأمته الدين خبرا وأمرا ، وجعل طاعته طاعة له ، ومعصيته معصية له ، وأقسم بنفسه أنهم لا يؤمنون حتى يحكموه فيما شجر بينهم ، وأخبر أن المنافقين يريدون أن يتحاكموا الى غيره ، وأنهم اذا دعوا الى الله والرسول ، وهو الدعاء الى كتاب الله وسنة رسوله ـ صدوا صدودا ، وأنهم يزعمون أنهم انما أرادوا احسانا وتوفيقا ، كما يقوله كثير من المتكلمة والمتفلسفة وغيرهم : انما نريد أن نحس الاشياء بحقيقتها ، أي ندركها ونعرفها ، ونريد التوفيق بين الدلائل التي يسمونها العقليات ، ـ وهي في الحقيقة : جهليات ـ وبين الدلائل النقلية المنقولة عن الرسول ، أو نريد التوفيق بين الشريعة والفلسفة. وكما يقوله كثير من المبتدعة ، من المتنسّكة والمتصوفة : انما نريد الاعمال بالعمل الحسن ، والتوفيق بين الشريعة وبين ما يدّعونه من الباطل ، الذي يسمونه : حقائق وهي جهل وضلال. وكما يقوله كثير من المتكلمة والمتأثرة : انما نريد الاحسان بالسياسة الحسنة ، والتوفيق بينها وبين الشريعة ، ونحو ذلك.
فكل من طلب أن يحكّم في شيء من أمر الدين غير ما جاء به الرسول ، ويظن أن ذلك حسن ، وأن ذلك جمع بين ما جاء به الرسول وبين ما يخالفه ـ فله نصيب من ذلك ، بل ما جاء به الرسول كاف كامل ، يدخل فيه كل حق ، وانما وقع التقصير من كثير من المنتسبين إليه ، فلم يعلم ما جاء به الرسول في كثير من الامور الكلامية الاعتقادية ، ولا في كثير من الاحوال العبادية ، ولا في كثير من الامارة السياسية ، أو نسبوا الى شريعة الرسول ، بظنهم وتقليدهم ، ما ليس منها ، وأخرجوا عنها كثيرا مما هو منها.
فبسبب جهل هؤلاء وضلالهم وتفريطهم ، وبسبب عدوان أولئك وجهلهم ونفاقهم ، كثر النفاق ، ودرس كثير من علم الرسالة.
بل [انما يكون] البحث التام ، والنظر القوي ، والاجتهاد الكامل ، فيما جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ليعلم ويعتقد ، ويعمل به ظاهرا وباطنا فيكون قد تلي حق تلاوته ، وأن لا يهمل منه شيء.
وان كان العبد عاجزا عن معرفة بعض ذلك أو العمل به ، فلا ينهي عما عجز عنه مما جاء به الرسول ، بل حسبه أن يسقط عنه اللوم لعجزه ، لكن عليه أن يفرح