بقيام غيره به ، ويرضى بذلك ، ويود أن يكون قائما به ، وأن لا يؤمن ببعضه ويترك بعضه ، بل يؤمن بالكتاب كله ، وأن يصان عن أن يدخل فيه ما ليس منه ، من رواية أو رأي ، أو يتّبع ما ليس من عند الله ، اعتقادا أو عملا ، كما قال تعالى : (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة : ٤٢.
وهذه كانت طريقة السابقين الاولين ، [وهي طريقة التابعين لهم بإحسان الى يوم القيامة. وأولهم السلف القديم من التابعين الاولين] ، ثم من بعدهم. ومن هؤلاء أئمة الدين المشهود لهم عند الامة الوسط (٩) بالامامة.
فعن أبي يوسف رحمهالله تعالى أنه قال لبشر المريسي (١٠) : العلم بالكلام هو الجهل ، والجهل بالكلام هو العلم ، واذا صار الرجل رأسا في الكلام قيل : زنديق ، أو رمي بالزندقة. أراد بالجهل به اعتقاد عدم صحته ، فإن ذلك علم نافع ، أو أراد به الاعراض عنه أو ترك الالتفات الى اعتباره. فان ذلك يصون علم الرجل وعقله فيكون علما بهذا الاعتبار. والله أعلم.
وعنه أيضا أنه قال : من طلب العلم بالكلام تزندق ، ومن طلب المال بالكيميا أفلس ، ومن طلب غريب الحديث كذب.
وقال الامام الشافعي رحمهالله تعالى : حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ، ويطاف بهم في العشائر [والقبائل] ، ويقال : هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام.
وقال أيضا رحمهالله تعالى (شعرا) :
كل العلوم سوى القرآن مشغلة |
|
الا الحديث والا الفقه في الدين |
العلم ما كان فيه قال حدثنا |
|
وما سوى ذاك وسواس الشياطين |
__________________
(٩) الوسط هنا : خيار الناس وعدو لهم ، كما في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً).
(١٠) هو بشر بن غياث المريسي ابو عبد الرحمن فقيه معتزلي يرمى بالزندقة أخذ الفقه عن أبي يوسف وهو رأس الطائفة المريسية قال عنه في «اللسان» : مبتدع ضال لا ينبغي أن يروى عنه ولا كرامة.