أول واجب يجب على المكلف شهادة أن لا إله الا الله ، لا النظر ، ولا القصد الى النظر ، ولا الشك ، كما هي أقوال لارباب الكلام المذموم. بل أئمة السلف كلهم متفقون على أن أول ما يؤمر به العبد الشهادتان ، ومتفقون على أن من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك عقيب بلوغه ، بل يؤمر بالطهارة والصلاة اذا بلغ أو ميز عند من يرى ذلك. ولم يوجب أحد منهم على وليه أن يخاطبه حينئذ بتجديد الشهادتين ، وان كان الاقرار بالشهادتين واجبا باتفاق المسلمين ، ووجوبه يسبق وجوب الصلاة ، لكن هو أدى هذا الواجب قبل ذلك.
وهنا مسائل تكلم فيها الفقهاء : كمن صلى ولم يتكلم بالشهادتين ، أو أتى [بغير ذلك من خصائص الاسلام ، ولم يتكلم بهما ، هل يصير مسلما أم لا؟ والصحيح أنه يصير مسلما بكل ما هو من خصائص الاسلام. فالتوحيد أول ما يدخل به في الاسلام ، وآخر ما يخرج به من الدنيا ، كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من كان آخر كلامه لا إله الا الله دخل الجنة» (١٣)]. وهو أول واجب وآخر واجب.
فالتوحيد أول الامر وآخره ، أعني : توحيد الالهية ، فإن التوحيد يتضمن ثلاث أنواع :
أحدها : الكلام في الصفات (١٣١) .. والثاني : توحيد الربوبية ، وبيان أن الله وحده خالف كل شيء. والثالث : توحيد الالهية ، وهو استحقاقه سبحانه وتعالى أن يعبد وحده لا شريك له.
أما الأول : فإن نفاة الصفات أدخلوا نفي الصفات [في] مسمى التوحيد ، كجهم بن صفوان (١٤) ومن وافقه ، فإنهم قالوا : اثبات الصفات يستلزم تعدد الواجب ، وهذا القول معلوم الفساد بالضرورة ، فإن اثبات ذات مجردة عن جميع الصفات لا يتصور لها وجود في الخارج ، وانما الذهن قد يفرض المحال ويتخيله وهذا غاية التعطيل. وهذا القول قد أفضى بقوم الى القول بالحلول والاتحاد ، وهو
__________________
(١٣) حديث حسن أو صحيح. رواه الحاكم وغيره ، وقد خرجته في «ارواء الغليل» (رقم ٦٨٧).
(١٣١) قال عفيفي : انظر ص ١٤٠ ج ١ من «موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول».
(١٤) هو ابو محرز جهم بن صفوان السمرقندي الضال المبتدع.