الْأَوَّلِينَ. قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ. قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) الشعراء : ٢٤ ـ ٢٨.
وقد زعم طائفة أن فرعون سأل موسى مستفهما عن الماهية ، وأن المسئول عنه لما لم تكن له ماهية عجز موسى عن الجواب وهذا غلط. وانما هذا استفهام انكار وجحد ، كما دل سائر آيات القرآن على أن فرعون كان جاحدا لله نافيا له ، لم يكن مثبتا له طالب للعلم بماهيته. فلهذا بيّن لهم موسى أنه معروف ، وأن آياته ودلائل ربوبيته أظهر وأشهر من أن يسأل عنه بما هو؟ بل هو سبحانه أعرف وأظهر وأبين من أن يجهل ، بل معرفته مستقرة في الفطر أعظم من معرفة كل معروف. ولم يعرف عن أحد من الطوائف أنه قال : ان العالم له صانعان متماثلان في الصفات والافعال ، فان الثنوية من المجوس ، والمانوية القائلين بالاصلين : النور والظلمة ، وأن العالم صدر عنهما ـ : متفقون على أن النور خير من الظلمة ، وهو الاله المحمود ، وأن الظلمة شريرة مذمومة ، وهم متنازعون في الظلمة ، هل هي قديمة أو محدثة؟ فلم يثبتوا ربّين متماثلين.
وأما النصارى القائلون بالتثليث ، فانهم لم يثبتوا للعالم ثلاثة أرباب ينفصل بعضهم عن بعض ، بل متفقون على أن صانع العالم واحد ، ويقولون : باسم الابن والأب وروح القدس إله واحد. وقولهم في التثليث متناقض في نفسه ، وقولهم في الحلول أفسد منه ، ولهذا كانوا مضطربين في فهمه ، وفي التعبير عنه ، لا يكاد واحد منهم يعبر عنه بمعنى معقول ، ولا يكاد اثنان يتفقان على معنى واحد ، فانهم يقولون : هو واحد بالذات ، ثلاثة بالاقنوم! والاقانيم يفسرونها تارة بالخواص ، وتارة بالصفات ، وتارة بالاشخاص. وقد فطر الله العباد على فساد [هذه] الاقوال بعد التصور التام. وبالجملة فهم لا يقولون باثبات خالقين متماثلين.
والمقصود هنا : أنه ليس في الطوائف من يثبت للعالم صانعين متماثلين ، مع أن كثيرا من أهل الكلام والنظر والفلسفة تعبوا في اثبات هذا المطلوب وتقريره. ومنهم من اعترف بالعجز عن تقرير هذا بالعقل ، وزعم أنه يتلقى من السمع.
والمشهور عند أهل النظر اثباته بدليل التمانع ، وهو : أنه لو كان للعالم صانعان