فعند اختلافهما مثل أن يريد أحدهما تحريك جسم وآخر تسكينه. أو يريد أحدهما احياءه والآخر إماتته ـ : فإما أن يحصل مرادهما ، أو مراد أحدهما ، أو لا يحصل مراد واحد منهما. والاول ممتنع ، لانه يستلزم الجمع بين الضدين ، والثالث ممتنع ، لانه يلزم خلوّ الجسم عن الحركة والسكون ، وهو ممتنع ، ويستلزم أيضا عجز كل منهما ، والعاجز لا يكون إلها ، واذا حصل مراد أحدهما دون الآخر ، كان هذا هو الا له القادر ، والآخر عاجزا لا يصلح للالهية.
وتمام الكلام على هذا الاصل معروف في موضعه ، وكثير من أهل النظر يزعمون أن دليل التمانع هو معنى قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) الأنبياء : ٢٢. لاعتقادهم أن توحيد الربوبية الذي قرروه هو توحيد الالهية الذي بيّنه القرآن ، ودعت إليه الرسل عليهمالسلام ، وليس الامر كذلك ، بل التوحيد الذي دعت إليه الرسل ، ونزلت به الكتب ، هو توحيد الالهية المتضمن توحيد الربوبية ، وهو عبادة الله وحده لا شريك له ، فإن المشركين من العرب كانوا يقرّون بتوحيد الربوبية ، وأن خالق السموات والارض واحد ، كما اخبر تعالى عنهم بقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) لقمان : ٢٥. (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) المؤمنون : ٨٤ ، ٨٥. ومثل هذا كثير في القرآن ، ولم يكونوا يعتقدون في الأصنام أنها مشاركة لله في خلق العالم ، بل كان حالهم فيها كحال أمثالهم من مشركي الامم من الهند والترك والبربر وغيرهم ، تارة يعتقدون أن هذه تماثيل قوم صالحين من الأنبياء والصالحين ، ويتخذونهم (١٦) شفعاء ، ويتوسلون بهم الى الله ، وهذا كان أصل شرك العرب ، قال تعالى حكاية عن قوم نوح. (وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) ـ نوح : ٢٣ ـ وقد ثبت في «صحيح البخاري» ، وكتب التفسير ، وقصص الأنبياء وغيرها ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وغيره من السلف ، أن هذه اسماء قوم صالحين في قوم نوح ، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ، ثم صوّروا تماثيلهم ، ثم طال عليهم الأمد ، فعبدوهم
__________________
(١٦) في الاصل : ويتخذوهم. وهذا البحث انفردت به المخطوطة.