رواية «يولد على الملّة» وفي أخرى : «على هذه الملّة».
وهذا الذي أخبر به صلىاللهعليهوسلم هو الذي تشهد الادلة العقلية بصدقه. منها ؛ أن يقال : لا ريب أن الانسان قد يحصل له من الاعتقادات والارادات ما يكون حقا ، وتارة ما يكون باطلا ، وهو حساس متحرك بالارادات (٢٤١) ، ولا بد له من أحدهما ، ولا بد له من مرجح لاحدهما. ونعلم أنه اذا عرض على كل أحد أن يصدق وينتفع وأن يكذّب ويتضرر ، مال بفطرته الى أن يصدق وينتفع ، وحينئذ فالاعتراف بوجود الصانع الايمان به هو الحق أو نقيضه ، والثاني فاسد قطعا ، فتعين الاول ، فوجب أن يكون في الفطرة ما يقتضي معرفة الصانع والايمان به. وبعد ذلك : أما أن يكون في فطرته [محبته أنفع للعبد أو لا. والثاني فاسد قطعا ، فوجب أن يكون في فطرته] محبة ما ينفعه.
ومنها : أنه مفطور على جلب المنافع ودفع المضار بحسّه. وحينئذ لم تكن فطرة كل واحد مستقلة بتحصيل ذلك ، بل يحتاج الى سبب معين للفطرة ، كالتعليم ونحوه ، فاذا وجد الشرط وانتفى المانع استجابت لما فيها من المقتضي لذلك.
ومنها : أن يقال : من المعلوم أن كل نفس قابلة للعلم وإرادة الحق ، ومجرد التعليم والتحضيض لا يوجب العلم والإرادة ، لو لا أن في النفس قوة تقبل ذلك ، والا فلو علم الجهال والبهائم وحضّضا لم يقبلا. ومعلوم أن حصول اقرارها بالصانع ممكن من غير سبب منفصل من خارج ، وتكون الذات كافية في ذلك ، فاذا كان المقتضي قائما في النفس وقدّر عدم المعارض ، فالمقتضي السالم عن المعارض يوجب مقتضاه ، فعلم أن الفطرة (٢٥) السليمة اذا لم يحصل لها ما يفسدها ، كانت مقرة بالصانع عابدة له.
ومنها : أن يقال ؛ أنه اذا لم يحصل المفسد الخارج ولا المصلح الخارج ، كانت الفطرة مقتضية للصلاح ، لان المقتضي فيها للعلم والإرادة قائم ، والمانع منتف.
ويحكى عن أبي حنيفة رحمهالله : أن قوما من أهل الكلام أرادوا البحث معه في
__________________
(٢٤١) في الاصل : بالإرادة.
(٢٥) قال عفيفي : انظر الباب الثلاثين من كتاب «شفاء العليل» لابن القيم ، فإنه نقل اقوال العلماء في تفسير الفطرة ، ووفى المقام حقه.