فلما كان هذا الشرك في الربوبية موجودا في الناس ، بيّن القرآن بطلانه ، كما في قوله تعالى : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) المؤمنون : ٩١. فتأمل هذا البرهان الباهر ، بهذا اللفظ الوجيز الظاهر. فإن الإله الحق لا بد أن يكون خالقا فاعلا ، يوصل الى عابده (٢٦١) النفع ويدفع عنه الضر ، فلو كان معه سبحانه إله آخر يشركه في ملكه ، لكان له خلق وفعل ، وحينئذ فلا يرضى تلك الشركة ، بل أن قدر على قهر ذلك الشريك وتفرده بالملك والالهية دونه فعل ، وإن لم يقدر على ذلك انفرد [بخلقه وذهب بذلك الخلق ، كما ينفرد ملوك الدنيا بعضهم عن بعض بملكه ، اذا لم يقدر المنفرد] منهم على قهر الآخر والعلو عليه. فلا بد من أحد ثلاثة أمور :
أما أن يذهب كل إله بخلقه وسلطانه.
واما أن يعلو بعضهم على بعض.
واما أن يكونوا تحت قهر ملك واحد يتصرف فيهم كيف يشاء ، ولا يتصرفون فيه ، بل يكون وحده هو الإله ، وهم العبيد المربوبون المقهورون من كل وجه.
وانتظام أمر العالم كله واحكام أمره ، من أدل دليل على أن مدبّره إله واحد ، وملك واحد ، ورب واحد ، لا إله للخلق غيره ، ولا رب لهم سواه. كما قد دل [دليل] التمانع على أن خالق العالم واحد ، لا رب غيره ولا إله سواه ، فذلك تمانع في الفعل والايجاد ، وهذا تمانع في العبادة والالهية. فكما يستحيل أن يكون للعالم ربان خالقان متكافئان ، كذلك يستحيل أن يكون [لهم] إلهان معبودان.
فالعلم بأن وجود العالم عن صانعين متماثلين ممتنع لذاته ، مستقر في الفطر معلوم بصريح العقل بطلانه ، فكذا تبطل إلهية اثنين. فالآية الكريمة موافقة لما ثبت واستقر في الفطر من توحيد الربوبية ، دالة مثبتة مستلزمة لتوحيد الالهية.
وقريب من معنى هذه الآية قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) الأنبياء : ٢٢. وقد ظن طوائف أن هذا دليل التمانع الذي تقدم ذكره ، وهو أنه لو
__________________
(*) في الاصل : عباده.