وأما مرتبة التكلم والخبر ، فقال تعالى : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ) الزخرف : ١٩. فجعل ذلك منهم شهادة ، وان لم يتلفظوا بلفظ الشهادة ولم يؤدوها عند غيرهم.
وأما مرتبة الإعلام والاخبار فنوعان : اعلام بالقول ، واعلام بالفعل. وهذا شأن كل معلم لغيره بأمر : تارة يعلمه به بقوله ، وتارة بفعله. ولهذا كان من جعل داره مسجدا وفتح بابها وأفرزها بطريقها وأذن للناس بالدخول والصلاة فيها ـ : معلما أنها وقف ، وان لم يتلفظ به. وكذلك من وجد متقربا الى غيره بأنواع المسارّ ، يكون معلما له ولغيره أنه يحبه ، وان لم يتلفظ بقوله ، وكذلك بالعكس. وكذلك شهادة الرب عزوجل وبيانه واعلامه ، يكون بقوله تارة ، وبفعله أخرى. فالقول ما أرسل به رسله وأنزل به كتبه. وأما بيانه واعلامه بفعله فكما قال ابن كيسان : شهد الله بتدبيره العجيب وأموره المحكمة عند خلقه ـ : أنه لا إله الا هو. وقال آخر :
وفي كلّ شيء له آية |
|
تدلّ على أنّه واحد |
ومما يدل على أن الشهادة تكون بالفعل ، قوله تعالى : (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ) التوبة : ١٧. [فهذه شهادة منهم على أنفسهم] (٣٠) بما يفعلونه.
[والمقصود أنه سبحانه يشهد بما جعل آياته] (٣١) المخلوقة دالة عليه ، ودلالتها انما هي بخلقه وجعله.
وأما مرتبة الامر بذلك والالزام به ، وأن مجرد الشهادة لا يستلزمه ، لكن الشهادة في هذا الموضع تدل عليه وتتضمنه ـ فانه سبحانه شهد به شهادة من حكم به ، وقضى وأمر وألزم عباده به ، كما قال تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) الاسراء : ٢٣. وقال الله تعالى : (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) النحل : ٥١. وقال تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) البيّنة : ٥. (وَما أُمِرُوا إِلَّا
__________________
(٣٠) اسقطت هذه العبارة وكلمة : (بالكفر) من الآية ، من الاصل.
(٣١) في الاصل : (والمقصد .. الآية).