لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً) التوبة : ٣١. وقال تعالى : (لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ)؟؟ : ٢٢ و ٣٩. وقال تعالى : (وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) القصص : ٨٨. ومفرد كله شاهد بذلك.
ووجه استلزام شهادته سبحانه لذلك : أنه اذا شهد أنه لا إله الا هو ، فقد أخبر وبيّن وأعلم وحكم وقضى أن ما سواه ليس بإله ، أو آلهية ما سواه باطلة ، فلا يستحق العبادة سواه ، كما لا تصلح الالهية لغيره ، وذلك يستلزم الامر باتخاذه وحده إلها ، والنهي عن اتخاذ غيره معه إلها ، وهذا يفهمه المخاطب من هذا النفي والاثبات ، كما اذا رأيت رجلا يستفتي رجلا أو يستشهده أو يستطبه وهو ليس أهلا لذلك ، ويدع من هو أهل له ، فتقول : هذا ليس بمفت ولا شاهد ولا طبيب ، المفتي فلان ، والشاهد فلان ، والطبيب فلان ، فإن هذا أمر منه ونهي.
وأيضا : فالآية دلت على أنه وحده المستحق للعبادة ، فاذا أخبر أنه هو وحده المستحق للعبادة ، تضمن هذا الاخبار أمر العباد والزامهم بأداء ما يستحق الرب تعالى عليهم ، وأن القيام بذلك هو خالص حقه عليهم.
وأيضا : فلفظ «الحكم» و «القضاء» يستعمل في الجملة الخبرية ، ويقال للجملة الخبرية : قضية ، وحكم ، وقد حكم فيها بكذا. قال تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ. وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ. ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) الصافات : ١٥١ ـ ١٥٤. فجعل هذا الاخبار المجرد منهم حكما وقال تعالى : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ. ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) القلم : ٣٥ ـ ٣٦. لكن هذا حكم لا الزام معه.
والحكم والقضاء بأنه لا إله الا هو متضمن الالزام. ولو كان المراد مجرد شهادة لم يتمكنوا من العلم بها ، [ولم ينتفعوا بها ،] ولم تقم عليهم بها الحجة. بل قد تضمنت البيان للعباد ودلالتهم وتعريفهم بما شهد به ، كما أن الشاهد من العباد اذا كانت عنده شهادة ولم يبينها بل كتمها ، لم ينتفع بها أحد ، ولم تقم بها حجة.