وان كان قائله رحمهالله لم يرد به الاتحاد ، لكن ذكر لفظا مجملا محتملا جذبه به الاتحادي إليه ، وأقسم بالله جهد أيمانه أنه معه ، ولو سلك الالفاظ الشرعية التي لا أجمال فيها كان أحق ، مع أن المعنى الذي حام حوله لو كان مطلوبا منا لنبّه الشارع عليه ودعا الناس إليه وبيّنه ، فإن على الرسول البلاغ المبين ، فأين قال الرسول : هذا توحيد العامة ، وهذا توحيد الخاصة ، وهذا توحيد خاصة الخاصة؟ أو ما يقرب من هذا المعنى؟ أو أشار الى هذه النقول والعقول حاضرة.
فهذا كلام الله المنزل على رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وهذه سنة الرسول ، وهذا كلام خير القرون بعد الرسول ، وسادات العارفين من الأئمة ، هل جاء ذكر الفناء فيها ، وهذا التقسيم عن أحد منهم؟ وانما حصل هذا من زيادة الغلو في الدين ، المشبه لغلو [الخوارج ، بل] لغلو النصارى في دينهم. وقد ذم الله تعالى الغلو في الدين ونهى عنه ، فقال : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) النساء : ١٧١. (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) المائدة : ٧٧. وقال صلىاللهعليهوسلم : «لا تشددوا فيشدد الله عليكم ، فإن من كان قبلكم شدّدوا فشدّد الله عليهم ، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات ، رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم» رواه أبو داود (٣٣).
قوله : (ولا شيء مثله).
ش : اتفق أهل السنة على أن الله ليس كمثله شيء ، لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله. ولكن لفظ التشبيه قد صار في كلام الناس لفظا مجملا يراد به المعنى الصحيح ، وهو ما نفاه القرآن ودل عليه العقل ، من أن خصائص الرب تعالى لا يوصف بها شيء من المخلوقات ، ولا يماثله شيء من المخلوقات في شيء من صفاته : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) الشورى : ١١ ، ردّ على الممثلة المشبهة (وَهُوَ
__________________
(٣٣) (رقم ٤٩٠٤) وفيه سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء لم يوثقه غير ابن حبان ، ولم يرو عنه سوى اثنين وقد خرجته في «الضعيفة» (٣٤٦٨).