القلب ، فينشرح ، فيشاهد الغيب وينفسح ، فيحتمل البلاء ويحفظ السرّ ؛ وعلامته التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود ، والتأهّب للموت قبل نزوله ؛ ويسمّى بالعلم اللدنّي ، أخذا من قوله سبحانه : (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) [١٧ / ٦٥] ؛ وهو أفضل العلوم وأعلاها ، بل هو العلم حقيقة ؛ وما عداه بالإضافة إليه جهل ، وهو المقصد الأقصى من الإيجاد.
والتقليديّ تلقّي بعض مسائل هذا العلم من صاحب الشرع على قدر الفهم والحوصلة ـ كمّا وكيفا ـ ثم التديّن به.
وقسم يقصد للعمل ليتوسّل به إلى ذلك النور ، وهو العلم بما يقرّب إلى الله تعالى وما يبعّد منه من طاعات الجوارح ومعاصيها ومكارم الأخلاق ومساويها ، وهو تقليد كله لصاحب الشرع إلا ما لا يختلف فيه العقول منه. وله التقدّم بالنسبة إلى التحقيقيّ الأول لأنّه الشرط فيه ...».
«(١) وهذا العلم يجب أن يكون مكنونا عن كلّ ذي عمه وجهل ، مضنونا عمّن ليس له بأهل ؛ إذ كلّ أحد لا يفهم كلّ علم ، وإلا لفهم كلّ حائك وحجّام ما يفهمه العلماء من دقائق العلوم ؛ فكما أنّهم لا يفهمون ، فكذلك علماء الرسوم لا يفهمون أسرار الدين ولا يحتملون ، وإن كانوا مدقّقين فيما يعلمون ، ولهذا أكابر الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يكتم بعضهم علمه عن بعض ...
وذلك لأنّ أسرار العلوم ـ على ما هي عليه ـ لا تطابق ما يفهمه الجمهور من ظواهر الشرع ...».
وقال في الاصول الأصيلة (٢) بعد ما بيّن طريق أهل التحقيق والكشف في العلم : «وكما أنّ الأئمّة عليهمالسلام كانوا يكتمون جواهر علومهم عن غير أهلها ويستعملون التقيّة فيها ... كذلك كل محقّق في مسألة يجب عليه أن يكتم علمه فيها عمّن لا يفهمه ، فإنّ كلّ أحد لا يفهم كلّ علم ...».
والأظهر أنّ الفيض بعد ما وصل إلى حقيقة هذه البيانات علما وتجربة أخذ يمعن في العمل بها ، وكلما مضى من عمره سنون صار أكثر اهتماما في
__________________
(١) ـ الوافي : ١ / ١٠.
(٢) ـ الاصول الأصيلة : ١٦٧.