أحسدك ، أعلى علمك بالأنساب أم بالأديان أم بالمقالات؟ (١).
أمّا ( عبدالله بن سبأ ) (٢) الَّذي يلصقونه بالشِّيعة أو يلصقون الشِّيعة به ،
__________________
(١) محاضرات الاُدباء ٤ : ٤١٨.
(٢) يبدو بوضوح للمتأمِّل في قصة عبدالله بن سبأ ، ودوره في الاحداث التي جرت ابان حكم الخليفة الثالث أو ما بعده ـ على قول البعض الآخر ـ إنَّه أمام وقائع وأحداث نُسجت بكثير من المبالغة والتهويل لشخصية عادية مغمورة ، لا دور واقعي لها يذكر في صياغة أي حدث أو أمر ، وإنْ ذهب البعض حتى الى التشكيك في صحة وجودها وأنَها خرافة حبكت بقدر كبير من الخبث والحقد للطعن بالشِّيعة ومعتقداتها.
نعم ، إنَّ استقراء السيرة الذاتية لهذه الشخصية في كتب العامة ـ لا كتبنا لانَّها عندنا واضحة جلية أجلى من الشمس في رابعة النهار ـ يكشف للمرء الكثير من هذه الاخبار المليئة بالمبالغة والكذب والتناقض بشكل لا يخفى على أدنى متأمَّل ، رغم وضوح حال هذا الرجل ، ومحدودية أمره في كتب الشيعة ورواياتهم التي لا تذهب إلّا إلى أنّه غال ملعون غالى بعلي عليهالسلام فحكم فيه حكم الاسلام الخاص بامثاله من الغلاة ، لا أكثر ولا أقل ، فهو ضمن هذا المقياس شخصية عادية كحالها من الشخصيات المنحرفة التي تعج بها جميع الكتب لا كتبنا فقط.
والحق يقال : إنَّ هذه المبالغة المفرطة في حياكة دور مهول لهذا الرجل في صياغة الكثير من الاحداث الجسام دفع بالعديد من المؤرخين والباحثين الى التشكيك صراحة في وجود مثل هذا الشخص في أرض الواقع ، وتلك حالة رد فعل طبيعية لها بعض التبرير أمام أُمور خرافية وغير عقلائية تزدريها الالباب ، فحدث نتيجة ذلك ما نراه في تلك الكتب من الارتباك والتنافر وعدم الوضوح ، حين نرى أنَّ البعض الآخر يذهب إلى أنَّ ابن سبأ ليس إلّا عمّار بن ياسر رحمه الله تعالى والذي حاولت قريش الطعن فيه فاخترعت له هذه التسمية كما كانت تسميه بابن السوداء ، وذلك لما يروونه عنه من تزعمه لقادة الثورة التي أودت بحياة الخليفة عثمان بن عفان ، وتفانيه في خدمة علي بن ابي طالب عليهالسلام ، وتشيعه الصريح له.
ثم لا يخفى عليك أخي القارئ الكريم أنَّ أوَّل الحائكين لهذه الاسطورة الخرافية حول هذا الرجل ـ والذي قفى بعد ذلك أثره المؤرخون ـ هو الطبري في تاريخه ، وكان مصدره فيها سيف بن عمر البرجمي ( ت ١٧٠ هـ ) الذي يطعن به معظم أصحاب التراجم والسير بشكل صريح وواضح ، حتى لقد قال عنه مرة : فليس خير منه ، وقال عنه أبو حاتم : متروك الحديث ، وقال عنه أبو داود : ليس بشيء ، وأمّا النسائي والدارقطني وابن معين فقد قالوا عنه : ضعيف الحديث ... فراجع وتأمَّل.