تمهيد وتوطئة :
يعتقد الإمامية : أنَّ لله ـ بحسب الشريعة الاسلامية ـ في كلُّ واقعة حكماً حتى أرش الخدش ، وما من عمل من أعمال المكلَّفين ـ من حركة أو سكون ـ إلّا ولله فيه حكم من الأحكام الخمسة : الوجوب ، والحرمة ، والندب ، والكراهة ، والإباحة.
وما من معاملة على مال ، أوعقد نكاح ، ونحوهما إلّا وللشرع فيه حكم صحة أو فساد.
وقد أودع الله سبحانه جميع تلك الأَحكام عند نبيه خاتم الأَنبياء صلىاللهعليهوآله ، وعرفها النبي بالوحي من الله تعالى أو الالهام ، ثم انَّه سلام الله عليه ـ حسب وقوع الحوادث ، أو حدوث الوقائع ، أو حصول الابتلاء ، وتجدّد الآثار والأَطوار ـ بيَّن كثيراً منها للناس ، وبالأَخص لأَصحابه الحافيِّن به ، الطائفين كلُّ يوم بعرش حضوره ، ليكونوا هم المبلِّغين لسائر المسلمين في الآفاق ( لِتَكُونُوا شُهَداء عَلى النّاس وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيكُم شَهيداً ) (١).
وبقيت أحكام كثيرة لم تحصل الدواعي والبواعث لبيانها ، أمّا لعدم الابتلاء بها في عصر النبوَّة ، أو لعدم اقتضاء المصلحة لنشرها.
والحاصل : إنَّ حكمة التدريج اقتضت بيان جملة من الأَحكام وكتمان جملة ، ولكنَّه سلام الله عليه أودعها عند أوصيائه ، كلُّ وصي يعهد بها إلى ألاخر لينشرها في الوقت المناسب لها حسب الحكمة ، من عام مخصص ، أو مطلق مقيِّد ، أو مجمل مبيَّن ، إلى أمثال ذلك.
فقد يذكر النبيّ عامَّاً ، ويذكر مخصصه بعد برهة من حياته ، وقد لا
__________________
(١) البقرة ٢ : ١٤٣.