أنّه يعلّق الدرّ في أعناق الخنازير ، ورأى بعضهم كأنّ في يده خاتما يختم به فروج النساء وأفواه الرجال ، فقال له ابن سيرين : «أنت رجل تؤذّن في رمضان قبل الصبح» ؛ فقال : «نعم». ورأي آخر كأنّه يصبّ الزيت في الزيتون ؛ فقال : «إن كان تحتك جارية فهي أمّك قد سبيت وبيعت ، واشتريتها أنت ولا تعرف». فكان كذلك.
فانظر كيف كان ختم الأفواه والفروج مشاركا للأذان قبل الصبح في روح الختم ـ وهو المنع ـ وإن كان مخالفا له في صورته ؛ وقس على ما ذكرته ما لم أذكره.
واعلم أنّ القرآن والأخبار يشتمل على كثير من هذا الجنس ، فانظر إلى قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم (١) : «قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن» فإنّ روح الإصبع القدرة على سرعة التقليب ، وإنّما قلب المؤمن بين لمّة الملك ولمّة الشيطان (٢) ، هذا يغويه وهذا يهديه ، والله ـ تعالى ـ بهما يقلّب قلوب العباد كما أنت تقلّب الأشياء بإصبعك ؛ فانظر كيف شارك نسبة الملكين المسخّرين إلى الله ـ تعالى ـ إصبعيك في روح الإصبعيّة ، وخالف في الصورة. ولتستخرج من هذا سائر الآيات والأحاديث الموهمة عند الجهّال للتشبيه ، فالذكيّ يتنبه بمثال واحد ، والبليد لا يزيده التكثير إلّا تحيّرا.
__________________
(١) ـ مضى في : ٣٨٨.
(٢) ـ مضى في : ٣٩٢.