ومهما عرفت معنى «الإصبع» أمكنك الترقّي إلى القلم واليد واليمين والوجه والصورة وأخذت جميعها روحانيّا لا جسمانيّا ، فتعلم أنّ روح القلم وحقيقته التي لا بدّ من تحقيقها إذا ذكرت حدّ القلم هو «الذي يكتب به» وإن كان في الوجود شيء يسطر بواسطته نقش العلوم في ألواح القلوب فأخلق به أن يكون هو القلم ، فإنّ الله (عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) [٩٦ / ٥]
وهذا القلم روحانيّ ، إذ وجد فيه روح القلم وحقيقته. ولم يعوزه إلّا قالبه وصورته ؛ وكون القلم من خشب أو قصب ليس من حقيقة القلم ، ولذلك لا يوجد في حدّه الحقيقي ؛ ولكلّ شيء حدّ وحقيقة هي روحه ، فإذا اهتديت إلى الأرواح صرت روحانيّا ، وفتحت لك أبواب الملكوت واهّلت لمرافقة الملأ الأعلى (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) [٤ / ٦٩].
ولا تستبعد أن يكون في القرآن إشارات من هذا الجنس ، فإن كنت لا تقوي على احتمال ما يقرع سمعك من هذا النمط ما لم تستند التفسير إلى الصحابة ـ فإنّ التقليد غالب عليك ـ فانظر إلى تفسير قوله ـ تعالى ـ على ما قاله المفسّرون : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ) ـ الآية ـ وأنّه كيف مثّل العلم بالماء ، والقلب بالأودية والينابيع ، والضلال بالزبد ، ثمّ نبّهك في آخرها فقال : (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) [١٣ / ١٧]. ويكفيك هذا القدر من هذا [القدر] ، فلا تطيق أكثر منه.