الأحجار من مسافات تبلغ مئات الفراسخ وقد إشتغل مئة ألف عامل خلال عشرين سنة من أجل بناء هذه الأهرام ، حتى قيل إنّ تكاليف الخضرة وبعض الأدوية للعمال بلغت ١٦ مليون دولار خلال تلك المدّة. (١)
ويتضح من كل هذا مدى رسوخ عقيدة المصريين القدماء بالمعاد (طبعاً العقيدة الممزوجة بالخرافات) ، فلا يمكن تجاهل هذه العقيدة واعتبارها مجرّد عادة أو قضية تلقينية ، بل تدل مثل هذه العقائد المترسخة بين عموم الناس على فطريتها وإستنادها إلى أعماق روح الإنسان ، لأنّ الفطرة والغريزة التي يمكنها الصمود إزاء العواصف الشديدة لمرور الزمان والتطورات الاجتماعية والفكرية ، فتبقى ثابتة مستقرة.
٤ ـ القيامة الصغرى والكبرى
كما أشرنا سابقاً بأنّ نموذج القيامة والمحكمة الكبرى إنّما تكمن في وجودنا ، حيث تعقد في أعماق روح الإنسان فور قيامه بالأعمال الحسنة أو السيئة.
فقد تنتابه أحياناً حالة من الفرح والسرور والهدوء والسكينة الباطنية تجاه بعض الأعمال الحسنة بحيث يعجز القلم والبيان عن وصفها وبالعكس فإذا ما صدر منه خطيئة ومخالفة فإنّه يشعر بالهم والغم والألم الذي يعتصره بحيث قد يستعد أحياناً لأن يصلب بهدف الخلاص من مخالب ذلك الإنزعاج.
ترى ما الشبه بين هذه المحكمة الداخلية العجيبة ومحكمة القيامة العجيبة!
__________________
(١) ويل دورانت ، تأريخ الحضارة ، ج ١ ، ص ٢١١ ، ٢٢٤ ، ٢٢٥.