وهذه هي الأمور التي ترسم معالم حياتنا الخالدة التي تنتظرنا فإمّا تمنحنا الطمآنينة والسعادة أو الاضطراب والشقاء ، والأمر بالضبط كالجنين إن كان له عقل وقد قصر في صنع نفسه خلال تلك المدّة القصيرة من عمره في بطن أمّه والتي تعتبر فترة بناء الجسم والروح ، فإنّ عليه أن يتحمل العواقب الوخيمة لعمر مديد (قد يستغرق مئة سنة مثلاً) ويذوق الألم والمعاناة وهكذا الحال بالنسبة للإنسان إنّ قصر في صنع نفسه وتهذيبها في هذه الحياة الدنيا وكبّدها مختلف العيوب والأمراض الأخلاقية والنفسية فإنّ عليه أن يتحمل العذاب الأليم وشدته في عالم ما بعد الموت.
ومن شأن هذا الإعتقاد أن يقلب حياة الإنسان رأساً على عقب ، كونه يشكل درساً تربوياً عالياً ينهض بتربية روح الإنسان ونفسه ، ويحول دونه ودون كل تلك الجنايات التي يمكن أن تصدر من إنسان مادي يعتقد أنّها تفنى وتزول جميعاً بفنائه وزواله.
فالإعتقاد بعالم ما بعد الموت وبقاء أثر أعمال الإنسان يمكنه أن يكون عامل وقاية متين إزاء الذنوب والمعاصي ، كما يمكنه أن يكون عاملاً مقتدراً للحركة وللحث على الاستثمار المادي والمعنوي في سبيل خدمة الخلق.
لا شك أنّ آثار الإيمان بعالم ما بعد الموت ليفوق بدرجات دور المحاكم وقوانين العقوبات الاعتيادية والمكافئات والتشجيعات العادية في إصطلاح الأفراد الفاسدين والمنحرفين وتشجيع الأفراد المضحين والمجاهدين ، وذلك لأنّ من خصائص محكمة العدل الإلهي في القيامة هو خلوها من الاستئناف والتمييز ولا الواسطة ، كما لايمكن تشويش أفكار القضاة من خلال طرح الوثائق المزيفة وممارسة الكذب والخداع ، كما تخلو من الروتينيات والتشريفات التي تدعوا إلى الإطالة ، بل وكما سنذكر ذلك